يخبر تعالى عن تمام حكمتِهِ، وأنَّ حكمته لا تقتضي أنَّ كلَّ مَنْ قال إنَّه مؤمنٌ وادَّعى لنفسه الإيمان؛ أن يَبْقَوا في حالة يَسْلَمون فيها من الفتن والمحن، ولا يَعْرِضُ لهم ما يشوِّش عليهم إيمانَهم وفروعه؛ فإنَّهم لو كان الأمر كذلك؛ لم يتميَّزِ الصادقُ من الكاذب والمحقُّ من المبطل، ولكن سنَّته وعادته في الأولين وفي هذه الأمة أنْ يَبْتَلِيَهُم بالسرَّاء والضرَّاء والعسر واليسر والمنشط والمكره والغنى والفقر وإدالةِ الأعداء عليهم في بعض الأحيان ومجاهدةِ الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن، التي ترجِعُ كلُّها إلى فتنة الشبهات المعارِضَة للعقيدة والشهواتِ المعارضة للإرادة؛ فمن كان عند ورودِ الشُّبُهات يَثْبُتُ إيمانُه ولا يتزلزل ويدفَعُها بما معه من الحقِّ، وعند ورود الشهواتِ الموجبة والداعية إلى المعاصي والذُّنوب أو الصارفة عن ما أمر اللهُ به ورسولُه، يعملُ بمقتضى الإيمان ويجاهدُ شهوتَه؛ دلَّ ذلك على صدق إيمانِهِ وصحَّته، ومن كان عند ورود الشُّبُهات تؤثِّر في قلبه شكًّا وريباً، وعند اعتراض الشهواتِ تَصْرِفُه إلى المعاصي أو تَصْدِفُه عن الواجبات؛ دلَّ ذلك على عدم صحَّة إيمانه وصدقه. والناس في هذا المقام درجاتٌ لا يحصيها إلاَّ الله؛ فمستقلٌّ ومستكثرٌ. فنسألُ الله تعالى أن يُثَبِّتَنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يثبِّتَ قلوبَنا على دينه؛ فالابتلاءُ والامتحانُ للنفوس بمنزلة الكيرِ يُخْرِجُ خَبَثَها وطيبَها.