هذه الآيات فيها حث الله عباده المؤمنين أن يقوموا بشكر نعمه العظيمة بأن يتقوه حق تقواه، وأن يقوموا بطاعته وترك معصيته مخلصين له بذلك، وأن يقيموا دينهم ويستمسكوا بحبله الذي أوصله إليهم، وجعله السبب بينهم وبينه وهو دينه وكتابه، والاجتماع على ذلك وعدم التفرق، وأن يستديموا ذلك إلى الممات. وذكرهم ما هم عليه قبل هذه النعمة وهو أنهم كانوا أعداء متفرقين فجمعهم بهذا الدين وألّف بين قلوبهم وجعلهم إخواناً، وكانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم من الشقاء، ونهج بهم طريق السعادة؛ لذلك بين {الله لكم آياته لعلكم تهتدون}؛ إلى شكر الله والتمسك بحبله. وأمرهم بتتميم هذه الحالة، والسبب الأقوى الذي يتمكنون به من إقامة دينهم بأن يتصدى منهم طائفة يحصل فيها الكفاية {يدعون إلى الخير}؛ وهو الدين: أصوله وفروعه وشرائعه {ويأمرون بالمعروف}؛ وهو ما عرف حسنه شرعاً وعقلاً {وينهون عن المنكر}؛ وهو ما عرف قبحه شرعاً وعقلاً {وأولئك هم المفلحون}؛ المدركون لكل مطلوب الناجون من كل مرهوب، ويدخل في هذه الطائفة أهل العلم والتعليم والمتصدون للخطابة ووعظ الناس عموماً وخصوصاً والمحتسبون، الذين يقومون بإلزام الناس بإقامة الصلوات وإيتاء الزكاة والقيام بشرائع الدين، وينهونهم عن المنكرات. فكل من دعا الناس إلى خير على وجه العموم أو على وجه الخصوص، أو قام بنصيحة عامة أو خاصة فإنه داخل في هذه الآية الكريمة. ثم نهاهم عن سلوك مسلك المتفرقين الذين جاءهم الدين والبينات الموجب لقيامهم به واجتماعهم، فتفرقوا واختلفوا وصاروا شيعاً، ولم يصدر ذلك عن جهل وضلال وإنما صدر عن علم وقصد سيئ وبغي من بعضهم على بعض، ولهذا قال: {وأولئك لهم عذاب عظيم}؛