{إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله}، فأنتم وهم قد تساويتم في القرح، ولكنكم ترجون من الله ما لا يرجون كما قال تعالى: {إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون}. ومن الحكم في ذلك أن هذه الدار يعطي الله منها المؤمن والكافر والبر والفاجر فيداول الله الأيام بين الناس: يوم لهذه الطائفة ويوم للطائفة الأخرى، لأن هذه الدارَ الدنيا منقضية فانية، وهذا بخلاف الدار الآخرة فإنها خالصة للذين آمنوا. {وليعلم الله الذين آمنوا}، هذا أيضاً من الحكم أنه يبتلي الله عباده بالهزيمة والابتلاء ليتبين المؤمن من المنافق، لأنه لو استمر النصر للمؤمنين في جميع الوقائع لدخل في الإسلام من لا يريده، فإذا حصل في بعض الوقائع بعض أنواع الابتلاء تبين المؤمن حقيقة الذي يرغب في الإسلام في الضراء والسراء واليسر والعسر ممن ليس كذلك، {ويتخذ منكم شهداء}. وهذا أيضاً من بعض الحكم، لأن الشهادة عند الله من أرفع المنازل، ولا سبيل لنيلها إلا بما يحصل من وجود أسبابها، فهذا من رحمته بعباده المؤمنين، أن قيَّض لهم من الأسباب ما تكرهه النفوس، لينيلهم ما يحبون من المنازل العالية والنعيم المقيم. {والله لا يحب الظالمين}، الذين ظلموا أنفسهم وتقاعدوا عن القتال في سبيله، وكأن في هذا تعريضاً بذم المنافقين وأنهم مبغوضون لله، ولهذا ثبطهم عن القتال في سبيله، ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة، ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين.