أي:
{ولقد صدقكم الله وعده} ب
النصر فنصركم عليهم حتى ولوكم أكتافهم، وطفقتم فيهم قتلاً حتى صرتم سبباً لأنفسكم وعوناً لأعدائكم عليكم، فلما حصل منكم الفشل وهو الضعف والخور
{وتنازعتم في الأمر} الذي فيه ترك أمر الله بالائتلاف وعدم الاختلاف، فاختلفتم؛ فمن قائل نقيم في مركزنا الذي جعلنا فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن قائل ما مقامنا فيه وقد انهزم العدو ولم يبق محذور، فعصيتم الرسول وتركتم أمره، من بعد ما أراكم الله ما تحبون، وهو انخذال أعدائكم، لأن الواجب على من أنعم الله عليه بما أحب أعظم من غيره، فالواجب في هذه الحال خصوصاً وفي غيرها عموماً امتثال أمر الله ورسوله،
{منكم من يريد الدنيا}؛ وهم الذين أوجب لهم ذلك ما أوجب،
{ومنكم من يريد الآخرة}؛ وهم الذين لزموا أمر رسول الله. وثبتوا حيث أُمروا،
{ثم صرفكم عنهم}؛ أي: بعد ما وجدت هذه الأمور منكم، صرف الله وجوهكم عنهم، فصار الوجه لعدوكم ابتلاء من الله لكم وامتحاناً، ليتبين المؤمن من الكافر والطائع من العاصي، وليكفِّرَ الله عنكم بهذه المصيبة ما صدر منكم فلهذا قال:
{ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين}؛ أي: ذو فضل عظيم عليهم، حيث مَنَّ عليهم بالإسلام، وهداهم لشرائعه، وعفا عنهم سيئاتهم، وأثابهم على مصيباتهم، ومن فضله على المؤمنين أنه لا يُقَدِّرُ عليهم خيراً ولا مصيبةً إلا كان خيراً لهم، إن أصابتهم سرَّاء فشكروا، جازاهم جزاءَ الشاكرين، وإن أصابتهم ضرَّاء فصبروا، جازاهم جزاء الصابرين.