الغلول: هو الكتمان من الغنيمة والخيانة في كل مالٍ يتولاه الإنسان وهو محرَّم إجماعاً، بل هو من الكبائر كما تدل عليه هذه الآية الكريمة وغيرها من النصوص، فأخبر الله تعالى أنه ما ينبغي ولا يليق بنبي أن يغل، لأن الغلول ـ كما علمت ـ من أعظم الذنوب وشر العيوب. وقد صان الله تعالى أنبياءه عن كل ما يدنسهم ويقدح فيهم، وجعلهم أفضل العالمين أخلاقاً وأطهرهم نفوساً، وأزكاهم وأطيبهم ونزههم عن كل عيب، وجعلهم محل رسالته ومعدن حكمته، {الله أعلم حيث يجعل رسالته}، فبمجرد علم العبد بالواحد منهم يجزم بسلامتهم من كل أمر يقدح فيهم، ولا يحتاج إلى دليل على ما قيل فيهم من أعدائهم، لأن معرفته بنبوتهم مستلزم لدفع ذلك، ولذلك أتى بصيغة يمتنع معها وجود الفعل منهم فقال: {وما كان لنبي أن يغل}؛ أي: يمتنع ذلك ويستحيل على من اختارهم الله لنبوته. ثم ذكر الوعيد على من غل فقال: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}؛ أي: يأت به حامله على ظهره حيواناً كان أو متاعاً أو غير ذلك يعذب به يوم القيامة {ثم توفى كل نفس ما كسبت}؛ الغالُّ وغيره كلٌّ يوفَّى أجره ووزره على مقدار كسبه {وهم لا يظلمون}؛ أي: لا يزداد في سيئاتهم ولا يهضمون شيئاً من حسناتهم. وتأمل حسن هذا الاحتراز في هذه الآية الكريمة لمَّا ذكر عقوبة الغالِّ وأنه يأتي يوم القيامة بما غله، ولمَّا أراد أن يذكر توفيته وجزاءه وكان اقتصاره على الغال يوهم بالمفهوم أن غيره من أنواع العاملين قد لا يوفون، أتى بلفظ عامٍّ جامع له ولغيره.