ثم أخبر أن ما أصابهم يوم التقى الجمعان: جمعُ المسلمين وجمعُ المشركين في أحد من القتل والهزيمة، أنه بإذنه وقضائه وقدره، لا مرد له ولا بد من وقوعه، والأمر القدري إذا نفذ لم يبق إلا التسليم له وأنه قدَّره لحكم عظيمة وفوائد جسيمة، وأنه ليتبين بذلك المؤمن من المنافق الذين لما أمروا بالقتال {وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله}؛ أي: ذبًّا عن دين الله وحماية له وطلباً لمرضاة الله، {أو ادفعوا} عن محارمكم وبلدكم إن لم يكن لكم نية صالحة، فأبوا ذلك واعتذروا بأن: {قالوا لو نعلم قتالاً لاتبعناكم}؛ أي: لو نعلم أنكم يصير بينكم وبينهم قتال لاتبعناكم، وهم كذبة في هذا، قد علموا وتيقنوا، وعلم كل أحد أن هؤلاء المشركين قد مُلئوا من الحنق والغيظ على المؤمنين بما أصابوا منهم، وأنهم قد بذلوا أموالهم وجمعوا ما يقدرون عليه من الرجال والعدد، وأقبلوا في جيش عظيم قاصدين المؤمنين في بلدهم متحرقين على قتالهم، فمن كانت هذه حالهم كيف يتصور أنه لا يصير بينهم وبين المؤمنين قتال؟ خصوصاً وقد خرج المسلمون من المدينة وبرزوا لهم، هذا من المستحيل، ولكن المنافقين ظنوا أن هذا العذر يروج على المؤمنين، قال تعالى: {هم للكفر يومئذ}؛ أي: في تلك الحال التي تركوا فيها الخروج مع المؤمنين {أقرب منهم للإيمان، يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم}، وهذه خاصة المنافقين يظهرون بكلامهم وفعالهم ما يبطنون ضده في قلوبهم وسرائرهم، ومنه قولهم: {لو نعلم قتالاً لاتبعناكم}، فإنهم قد علموا وقوع القتال. ويستدل بهذه الآية على قاعدة ارتكاب أخف المفسدتين، لدفع أعلاهما وفعل أدنى المصلحتين للعجز عن أعلاهما، لأن المنافقين أُمروا أن يقاتلوا للدين، فإن لم يفعلوا فللمدافعة عن العيال والأوطان {والله أعلم بما يكتمون}، فيبديه لعباده المؤمنين، ويعاقبهم عليه.