{لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا}؛ أي: من القبائح والباطل القولي والفعلي {ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا}؛ أي: بالخير الذي لم يفعلوه والحق الذي لم يقولوه، فجمعوا بين فعل الشر وقوله والفرح بذلك ومحبة أن يحمدوا على فعل الخير الذي ما فعلوه، {فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب}؛ أي: بمحلِّ نجوة منه وسلامة، بل قد استحقوه وسيصيرون إليه ولهذا قال: {ولهم عذاب أليم}. ويدخل في هذه الآية الكريمة أهل الكتاب الذين فرحوا بما عندهم من العلم ولم ينقادوا للرسول، وزعموا أنهم هم المحقون في حالهم ومقالهم، وكذلك كل من ابتدع بدعة قولية أو فعلية، وفرح بها، ودعا إليها، وزعم أنه محق وغيره مبطل كما هو الواقع من أهل البدع. ودلت الآية بمفهومها على أن من أحبَّ أن يحمدَ ويُثْنَى عليه بما فعله من الخير واتِّباع الحقِّ إذا لم يكن قصده بذلك الرياء والسمعة أنه غير مذموم، بل هذا من الأمور المطلوبة التي أخبر الله أنه يجزي بها المحسنين له الأعمال والأقوال، وأنه جازى بها خواص خلقه وسألوها منه كما قال إبراهيم عليه السلام: {واجعل لي لسان صدق في الآخرين}، وقال: {سلام على نوح في العالمين إنا كذلك نجزي المحسنين}، وقد قال عباد الرحمن: {واجعلنا للمتقين إماماً}، وهي من نعم الباري على عبده ومننه التي تحتاج إلى شكر.