أي: {وإن من أهل الكتاب} طائفة موفقة للخير يؤمنون بالله ويؤمنون بما {أُنزل إليكم وما أُنزل إليهم}، وهذا الإيمان النافع لا كمن يؤمن ببعض الرسل والكتب ويكفر ببعض، ولهذا لما كان إيمانهم عامًّا حقيقيًّا صار نافعاً فأحدث لهم خشية الله وخضوعهم لجلاله الموجب للانقياد لأوامره ونواهيه والوقوف عند حدوده وهؤلاء أهل الكتاب والعلم على الحقيقة، كما قال تعالى: {إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ}، ومن تمام خشيتهم لله أنهم {لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً}، فلا يقدمون الدنيا على الدين كما فعل أهل الانحراف الذين يكتمون ما أنزل الله ويشترون به ثمناً قليلاً، وأما هؤلاء فعرفوا الأمر على الحقيقة وعلموا أن من أعظم الخسران الرضا بالدون عن الدين، والوقوف مع بعض حظوظ النفس السفلية وترك الحق الذي هو أكبر حظ وفوز في الدنيا والآخرة، فآثروا الحق وبينوه ودعوا إليه، وحذروا عن الباطل، فأثابهم الله على ذلك بأن وعدهم الأجر الجزيل والثواب الجميل، وأخبرهم بقربه وأنه {سريع الحساب} فلا يستبطئون ما وعدهم الله، لأن ما هو آت محقق حصوله فهو قريب.