أي: ألا تنظر وتعجب من هؤلاء {الذين أوتوا نصيباً من الكتاب} و {يدعون إلى كتاب الله}؛ الذي يصدق ما أنزله على رسله {ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون}؛ عن اتباع الحق فكأنه قيل: لأي داعٍ دعاهم إلى هذا الإعراض وهم أحق بالاتباع وأعرفهم بحقيقة ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -؟ فذكر لذلك سببين: أمنهم وشهادتهم الباطلة لأنفسهم بالنجاة وأن النار لا تمسهم إلا أياماً معدودة حددوها بحسب أهوائهم الفاسدة، كأنَّ تدبير الملك راجع إليهم حيث قالوا: {لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى}؛ ومن المعلوم أن هذه أمانيّ باطلة شرعاً وعقلاً. والسبب الثاني: أنهم لما كذبوا بآيات الله، وافتروا عليه زين لهم الشيطان سوء عملهم، واغتروا بذلك وتراءى لهم أنه الحق عقوبة لهم على إعراضهم عن الحق، فهؤلاء كيف يكون حالهم إذا جمعهم الله يوم القيامة، ووفّى العاملين ما عملوا وجرى عدل الله في عباده؟ فهنالك لا تسأل عما يصلون إليه من العقاب وما يفوتهم من الخير والثواب، وذلك بما كسبت أيديهم، وما ربك بظلام للعبيد.