يخبر تعالى بإحاطة علمه بما في الصدور سواء أخفاه العباد أو أبدوه، كما أن علمه محيط بكل شيء في السماء والأرض فلا تخفى عليه خافية، ومع إحاطة علمه فهو العظيم القدير على كل شيء الذي لا يمتنع عن إرادته موجود. ولما ذكر لهم من عظمته وسعة أوصافه ما يوجب للعباد أن يراقبوه في كل أحوالهم، ذكر لهم أيضاً داعياً آخر إلى مراقبته وتقواه وهو أنهم كلهم صائرون إليه وأعمالهم حينئذ من خير وشر محضرة، فحينئذ يغتبط أهل الخير بما قدموه لأنفسهم، ويتحسر أهل الشر إذا وجدوا ما عملوه محضراً، ويودون أن بينهم وبينه أمداً بعيداً. فإذا عرف العبد أنه ساعٍ إلى ربه وكادحٌ في هذه الحياة، وأنه لا بد أن يلاقي ربه ويلاقي سعيه أوجب له أخذ الحذر والتوقي من الأعمال التي توجب الفضيحة والعقوبة، والاستعداد بالأعمال الصالحة التي توجب السعادة والمثوبة، ولهذا قال تعالى: {ويحذركم الله نفسه}؛ وذلك بما يبدي لكم من أوصاف عظمته وكمال عدله وشدَّة نكاله، ومع شدَّة عقابه فإنه رءوف رحيم، ومن رأفته ورحمته أنه خوَّف العباد، وزجرهم عن الغيِّ والفساد، كما قال تعالى لما ذكر العقوبات: {ذلك يخوِّف الله به عباده، يا عباد فاتقون}؛ فرأفته ورحمته سهلت لهم الطرق التي ينالون بها الخيرات، ورأفته ورحمته حذرتهم من الطرق التي تفضي بهم إلى المكروهات. فنسأله تعالى أن يتمم علينا إحسانه بسلوك الصراط المستقيم والسلامة من الطرق التي تفضي بسالكها إلى الجحيم.