كانت الفرس و
الروم في ذلك الوقت من أقوى دول الأرض، وكان يكون بينهما من الحروب والقتال ما يكون بين الدول المتوازنة، وكانتِ الفرسُ مشركينَ يعبُدون النار، وكانت
الرومُ أهلَ كتابٍ ينتسبون إلى التوراة والإنجيل، وهم أقربُ إلى المسلمين من الفرس،
[فكان المؤمنون] يحبُّون غَلَبَتَهم وظهورَهم على الفرس، وكان المشركون لاشتراكِهِم والفرسُ في الشرك يحبُّون ظهورَ الفرس على
الروم، فظهر الفرسُ على
الروم وغلبوهم غُلباً لم يُحِطْ بِمُلْكِهِم بل بأدنى أرضهم، ففرح بذلك مشركو مكة وحزن المسلمون، فأخبرهم الله، ووعدَهم أنَّ
الروم ستغلب الفرس
{في بِضْعِ سنينَ}: تسع أو ثمان ونحو ذلك مما لا يزيدُ على العشر ولا ينقُصُ عن الثلاث، وأنَّ غلبةَ الفرس للروم ثم غلبةَ
الروم للفرس كلُّ ذلك بمشيئتِهِ وقَدَرِهِ، ولهذا قال:
{لله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ}: فليس الغلبةُ و
النصر لمجرَّد وجود الأسباب، وإنَّما هي لا بدَّ أن يقترن بها القضاء والقدر.
{ويومئذٍ}؛ أي: يوم يغلب
الرومُ الفرس ويقهرونهم،
{يفرحُ المؤمنون. بنصر الله ينصُرُ مَنْ يشاءُ}؛ أي: يفرحون بانتصارهم على الفرس، وإنْ كان الجميع كفاراً، ولكنَّ بعضُ الشرِّ أهونُ من بعض، ويحزنُ يومئذٍ المشركون.
{وهو العزيزُ}: الذي له العزَّةُ التي قهر بها الخلائق أجمعين، يؤتي المُلْكَ مَنْ يشاء، وينزِعُ الملك ممَّن يشاء، ويعزُّ من يشاء ويذلُّ من يشاء.
{الرحيمُ}: بعباده المؤمنين؛ حيث قيَّضَ لهم من الأسباب التي تسعِدُهم وتنصُرُهم ما لا يدخُل في الحساب.