وهذا الكفر عن غير دليل، بل الأدلَّة القاطعة دلَّت على البعث والجزاء، ولهذا نبَّههم على السير في الأرض والنظر في عاقبة الذين كذَّبوا رسلَهم وخالفوا أمرهم ممَّن هم أشدُّ من هؤلاء قوَّة وأكثر آثاراً في الأرض من بناء قصورٍ ومصانع ومن غرس أشجارٍ ومن زرع وإجراء أنهارٍ، فلم تُغْنِ عنهم قوَّتُهم، ولا نفعتْهم آثارُهم حين كذَّبوا رسلَهم الذين جاؤوهم بالبينات الدالات على الحقِّ وصحة ما جاؤوهم به؛ فإنَّهم حين ينظُرون في آثار أولئك؛ لم يجِدوا إلاَّ أمماً بائدةً، وخلقاً مهلَكين، ومنازل بعدهم موحشة. وذمٌّ من الخلق عليهم متتابعٌ، وهذا جزاءٌ معجَّل نموذج للجزاء الأخروي ومبتدأ له؛ وكلُّ هذه الأمم المهلَكة لم يظلِمْهُمُ الله بذلك الإهلاك، وإنما ظلموا أنفسهم وتسبَّبوا في هلاكها.