ثم ذكر في هاتين الآيتين نموذجاً من سعة أوصافه؛ ليدعو عباده إلى معرفته ومحبَّته وإخلاص الدين له، فذكر عموم ملكه، وأنَّ جميع ما في السماواتِ والأرض، وهذا شاملٌ لجميع العالم العلويِّ والسفليِّ؛ أنَّه ملكه، يتصرَّف فيهم بأحكام المُلك القدريَّة وأحكامه الأمريَّة وأحكامه الجزائيَّة؛ فكلُّهم عبيدٌ مماليكُ مدبَّرون مسخَّرون، ليس لهم من الملك شيءٌ، وأنَّه واسع الغنى؛ فلا يحتاجُ إلى ما يحتاجُ إليه أحدٌ من الخلق، {ما أريدُ منهم من رزقٍ وما أريد أن يُطْعِمونِ}، وأنَّ أعمال النبيِّين والصدِّيقين والشهداء والصالحين لا تنفعُ اللهَ شيئاً، وإنما تنفع عامليها، والله غنيٌّ عنهم وعن أعمالهم، ومن غناه أنْ أغناهم وأقناهم في دنياهم وأخراهم. ثم أخبر تعالى عن سَعَةِ حمدِهِ، وأنَّ حمدَه من لوازم ذاتِهِ؛ فلا يكون إلاَّ حميداً من جميع الوجوه؛ فهو حميدٌ في ذاته، وهو حميدٌ في صفاته؛ فكلُّ صفة من صفاته يستحقُّ عليها أكملَ حمدٍ وأتمَّه؛ لكونها صفاتِ عظمةٍ وكمال، وجميع ما فَعَلَه وخَلَقَه يُحمد عليه، وجميع ما أمر به ونهى عنه يُحمد عليه، وجميع ما حكم به في العباد وبين العباد في الدُّنيا والآخرة يُحمد عليه.