قد تقرَّر أنَّ الله تعالى أحاطَ علمُه بالغيب والشهادة والظواهِرِ والبواطِن، وقد يُطْلِعُ الله عبادَه على كثيرٍ من الأمور الغيبيَّة، وهذه الأمور الخمسة من الأمور التي طَوَى علمها عن جميع الخَلْق؛ فلا يعلمُها نبيٌّ مرسلٌ ولا ملكٌ مقرَّبٌ، فضلاً عن غيرهما، فقال: {إنَّ الله عندَه علم الساعةِ}؛ أي: يعلم متى مُرساها؛ كما قال تعالى: {يَسْألونَكَ عن الساعةِ أيَّانَ مُرساها. قُل إنَّما علمُها عند ربِّي لا يُجَلِّيها لوقتِها إلاَّ هو لا تأتيكم إلاَّ بَغْتَةً ... } الآية، {ويُنَزِّلُ الغيثَ}؛ أي: هو المنفرد بإنزاله، وعلمِ وقتِ نزولِهِ، {ويعلمُ ما في الأرحام}: فهو الذي أنشأ ما فيها، وعلم ما هو؛ هل هو ذكرٌ أم أنثى؟ ولهذا يسأل الملك الموكل بالأرحام ربَّه: هل هو ذَكَرٌ أم أنثى؟ فيقضي الله ما يشاء. {وما تَدْري نفسٌ ماذا تكسِبُ غداً}: من كَسْبِ دينها ودُنياها، {وما تدري نفسٌ بأيِّ أرضٍ تموتُ}: بل الله تعالى هو المختصُّ بعلم ذلك جميعه. ولمَّا خصَّص [اللَّه] هذه الأشياء؛ عمَّم علمَه بجميع الأشياء، فقال: {إنَّ الله عليمٌ خبيرٌ}: محيطٌ بالظواهر والبواطن والخفايا والخبايا والسرائر، ومن حكمتِهِ التامَّة أنْ أخفى علمَ هذه الخمسة عن العبادِ؛ لأنَّ في ذلك من المصالح ما لا يخفى على من تدبر ذلك.