ومع ذلك؛ قالَ المكذِّبون للرسول الظالمونَ في ذلك: افتراه محمدٌ واختلَقَه من عند نفسه! وهذا من أكبر الجراءة على إنكارِ كلام اللَّه، ورَمْي محمدٍ بأعظم الكذِبِ، وقدرة الخَلْق على كلام مثل كلام الخالق، وكلُّ واحد من هذه، من الأمور العظائم، قال الله رادًّا على من قال: افتراه: {بل هو الحقُّ}: الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفِهِ تنزيلٌ من حكيم حميدٍ {من ربِّكَ}: أنزله رحمةً للعباد، {لِتُنذِرَ قوماً ما أتاهم من نذيرٍ من قبلِكَ}؛ أي: هم في حال ضرورة وفاقةٍ لإرسال الرسول وإنزال الكتاب لعدم النذير، بل هم في جهلهم يَعْمَهون، وفي ظُلمة ضلالهم يتردَّدون، فأنزلنا الكتاب عليك، {لعلَّهم يهتدونَ}: من ضلالهم، فيعرفون الحقَّ ويؤثِرونَه. وهذه الأشياء التي ذَكَرها الله كلُّها مناقضةٌ لتكذيبهم له، وإنَّها تقتضي منهم الإيمان والتصديق التامَّ به، وهو كونُه من ربِّ العالَمين، وأنَّه حقٌّ، والحق مقبولٌ على كلِّ حال، وأنه لا ريبَ فيه بوجه من الوجوه؛ فليس فيه ما يوجب الريبة؛ لا بخبر غير مطابق للواقع ، ولا بخفاء واشتباه معانيه، وأنهم في ضرورة وحاجة إلى الرسالة، وأن فيه الهداية لكلِّ خير وإحسان.