فإنْ وقع في قلبِك أنَّك إن لم تُطِعْهم في أهوائهم المضلَّة؛ حصل عليك منهم ضررٌ، أو حصل نقصٌ في هداية الخلق؛ فادفَعْ ذلك عن نفسك، واستعملْ ما يقاوِمُه ويقاوِمُ غيره، وهو التوكُّل على الله؛ بأن تعتمدَ على ربِّك اعتماد مَنْ لا يملِكُ لنفسه ضرًّا ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً في سلامتك من شرِّهم وفي إقامة الدين الذي أمرتَ به، وثِقْ بالله في حُصول ذلك الأمر على أيِّ حال كان. {وكفى بالله وكيلاً}: تُوكلُ إليه الأمور، فيقوم بها وبما هو أصلحُ للعبد، وذلك لعلمِهِ بمصالح عبدِهِ من حيث لا يعلمُ العبدُ، وقدرتِهِ على إيصالها إليه من حيث لا يقدر عليها العبدُ، وأنَّه أرحم بعبده من نفسه ومن والديه وأرأفُ به من كلِّ أحدٍ، خصوصاً خواصَّ عبيده، الذين لم يزل يربِّيهم ببرِّه ويدرُّ عليهم بركاتِهِ الظاهرةَ والباطنةَ، خصوصاً وقد أمَرَهُ بإلقاء أموره إليه، ووعَدَه أن يقوم بها؛ فهناك لا تسأل عن كلِّ أمرٍ يتيسَّر، وصعب يتسهَّل ، وخطوبٍ تهون، وكروبٍ تزول، وأحوال وحوائج تُقضى، وبركاتٍ تنزل، ونِقَم تُدْفَع، وشرورٍ تُرفع. وهناك ترى العبد، الضعيفَ الذي فوَّضَ أمره لسيِّده قد قام بأمورٍ لا تقوم بها أمَّة من الناس، وقد سهَّل الله عليه ما كان يصعُبُ على فحول الرجال. وبالله المستعان.