يخبر تعالى المؤمنين أنَّهم إذا نكحوا المؤمنات ثم طلَّقوهنَّ من قبل أن يَمَسُّوهنَّ؛ فليس عليهنَّ في ذلك عدَّةٌ يعتدُّها أزواجهنَّ عليهن، وأمرهم بتمتيعهنَّ بهذه الحالة بشيء من متاع الدُّنيا الذي يكون فيه جبرٌ لخواطرهنَّ لأجل فراقهنَّ، وأن يفارِقوهنَّ فراقاً جميلاً من غير مخاصمةٍ ولا مشاتمةٍ ولا مطالبةٍ ولا غير ذلك. ويستدلُّ بهذه الآية على أنَّ الطلاق لا يكونُ إلاَّ بعد النكاح، فلو طلَّقها قبل أن ينكحَها أو علَّق طلاقَها على نكاحها؛ لم يقع؛ لقوله: {إذا نَكَحْتُمُ المؤمناتِ ثم طلَّقْتُموهنَّ}، فجعل الطلاق بعد النكاح، فدل على أنَّه قبل ذلك لا محلَّ له. وإذا كان الطلاق الذي هو فرقةٌ تامةٌ وتحريمٌ تامٌّ لا يقع قبل النكاح؛ فالتحريمُ الناقص لظهارٍ أو إيلاءٍ ونحوه من باب أولى وأحرى أن لا يقعَ قبل النكاح؛ كما هو أصحُّ قولي العلماء. و [يدل] على جواز الطلاق لأنَّ الله أخبر به عن المؤمنين على وجهٍ لم يلُمهم عليه، ولم يؤنِّبهم مع تصدير الآية بخطاب المؤمنين. وعلى جوازه قبل المسيس؛ كما قال في الآية الأخرى: {لا جُناحَ عليكم إن طَلَّقْتُمُ النساءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهنَّ}. وعلى أنَّ المطلقة قبل الدخول لا عدَّةَ لها، بل بمجرَّدِ طلاقِها يجوزُ لها التزوجُ حيث لا مانعَ. وعلى أنَّ عليها العدَّة بعد الدُّخول. وهل المراد بالدخول والمسيس الوطءُ كما هو مجمعٌ عليه أو وكذلك الخلوة ولو لم يحصُلْ معها وطءٌ كما أفتى بذلك الخلفاءُ الراشدون، وهو الصحيح؛ فمتى دَخَلَ عليها وطئها أم لا، إذا خلا بها، وجب عليها العِدَّة. وعلى أنَّ المطلقة قبل المسيس تُمتَّع على الموسع قدره وعلى المُقْتِرِ قدرُهُ، ولكن هذا إذا لم يفرض لها مهرٌ؛ فإنْ كان لها مهرٌ مفروضٌ؛ فإنَّه إذا طَلَّقَ قبل الدُّخول؛ تَنَصَّفَ المهر، وكفى عن المتعة. وعلى أنه ينبغي لمن فارق زوجته قبل الدُّخول أو بعده أن يكون الفراقُ جميلاً يَحمدُ فيه كلٌّ منهما الآخر، ولا يكون غيرَ جميل؛ فإنَّ في ذلك من الشرِّ المترتِّب عليه من قدح كلٍّ منهما بالآخر شيء كثير. وعلى أن العدَّة حقٌّ للزوج؛ لقوله: {فما لكم عليهن من عدَّةٍ}: دلَّ مفهومُه أنّه لو طلَّقها بعد المسيس؛ كان له عليها عدة. وعلى أنَّ المفارقة بالوفاة تعتدُّ مطلقاً؛ لقوله: {ثم طلَّقْتُموهنَّ ... } الآية. وعلى أنَّ مَن عدا غير المدخول بها من المفارَقات من الزوجات بموتٍ أو حياةٍ عليهنَّ العدة.