لمَّا بيَّن تعالى عظمته بما وصف به نفسه، وكان هذا موجباً لتعظيمه وتقديسه والإيمان به؛ ذكر أنَّ من أصناف الناس طائفةً لم تُقَدِّرْ ربَّها حقَّ قدرِهِ، ولم تعظِّمْه حق عظمته، بل كفروا به وأنكروا قدرتَه على إعادةِ الأموات وقيام الساعة، وعارضوا بذلك رسلَه، فقال: {وقال الذين كفروا}؛ أي: بالله وبرسله وبما جاؤوا به، فقالوا بسبب كفرهم: {لا تَأتينا الساعةُ}؛ أي: ما هي إلاَّ هذه الحياة الدُّنيا نموت ونحيا! فأمر الله رسولَه أنْ يردَّ قولَهم ويُبْطِلَه ويقسِمَ على البعث وأنَّه سيأتيهم، واستدلَّ على ذلك بدليل مَن أقرَّ به؛ لزمه أن يصدِّق بالبعث ضرورةً، وهو علمُه تعالى الواسعُ العامُّ، فقال: {عالم الغيب}؛ أي: الأمور الغائبة عن أبصارنا وعن علمنا؛ فكيف بالشهادة؟! ثم أكَّد علمه فقال: {لا يعزُبُ}؛ أي: لا يغيب عن علمه {مثقالُ ذرَّةٍ في السمواتِ ولا في الأرض}؛ أي: جميع الأشياء بذواتها وأجزائها، حتى أصغر ما يكون من الأجزاء، وهو المثاقيل منها، {ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلاَّ في كتابٍ مبينٍ}؛ أي: قد أحاط به علمُه وجرى به قلمُه وتضمَّنه الكتابُ المبينُ الذي هو اللوحُ المحفوظ. فالذي لا يخفى عن علمِهِ مثقال الذرة فما دونَه في جميع الأوقات، ويعلم ما تَنْقُصُ الأرضُ من الأموات وما يبقى من أجسادهم؛ قادرٌ على بعثهم من باب أولى، وليس بعثُهم بأعجبَ من هذا العلم المحيط.