يخبر تعالى عن حالةِ المشركين عندما تُتلى عليهم آياتُ اللَّه البيناتُ وحججُه الظاهراتُ وبراهينُه القاطعاتُ، الدالةُ على كل خير، الناهيةُ عن كلِّ شرٍّ، التي هي أعظمُ نعمةٍ جاءتهم ومنَّةٍ وصلتْ إليهم، الموجبة لمقابلتها بالإيمان والتصديق والانقياد والتسليم، أنَّهم يقابِلونَها بضدِّ ما ينبغي ويكذِّبونَ مَنْ جاءهم بها ويقولونَ:
{ما هذا إلاَّ رجلٌ يريدُ أن يَصُدَّكُم عما كان يعبدُ آباؤُكم}؛ أي: هذا قصدُه حين يأمُرُكم ب
الإخلاص لله لتتركوا عوائدَ آبائِكُم الذين تعظِّمون وتمشون خلفَهم، فردُّوا الحقَّ بقول الضالِّين، ولم يوردوا برهاناً ولا شبهةً؛ فأيُّ شبهة إذا أمرتِ الرسلُ بعضَ الضالِّين باتِّباع الحقِّ فادَّعَوْا أنَّ إخوانهم الذين على طريقتهم لم يزالوا عليه؟! وهذه السفاهة وردُّ الحقِّ بأقوال الضالين إذا تأملتَ كلَّ حقٍّ رُدَّ؛ فإذا هذا مآلُه، لا يُرَدُّ إلاَّ بأقوال الضالِّين من المشركين والدَّهريين والفلاسفة والصابئين والملحدين في دين الله المارقين؛ فهم أسوةُ كلِّ من رَدَّ الحقَّ إلى يوم القيامةِ. ولمَّا احتجُّوا بفعل آبائِهِم وجعلوها دافعةً لما جاءت به الرسل؛ طعنوا بعد هذا بالحقِّ،
{وقالوا ما هذا إلا إفكٌ مفترىً}؛ أي: كذبٌ افتراه هذا الرجلُ الذي جاء به،
{وقال الذينَ كفروا للحقِّ لمَّا جاءهم إنْ هذا إلاَّ سحرٌ مبينٌ}؛ أي: سحرٌ ظاهرٌ بيِّنٌ لكلِّ أحدٍ؛ تكذيباً بالحقِّ وترويجاً على السفهاء.