يخاطبُ تعالى جميع الناس، ويخبِرُهم بحالِهم ووصفِهم، وأنهم فقراءُ إلى الله من جميع الوجوه: فقراءُ في إيجادِهم؛ فلولا إيجادُه إيَّاهم لم يوجدوا، فقراء في إعدادِهم بالقُوى والأعضاء والجوارح، التي لولا إعدادُه إيَّاهم بها؛ لما استعدُّوا لأيِّ عمل كان، فقراء في إمدادِهم بالأقواتِ والأرزاقِ والنعم الظاهرةِ والباطنة؛ فلولا فضلُه وإحسانُه وتيسيرُه الأمور، لما حصل لهم من الرزقِ والنعم شيءٌ، فقراءُ في صرف النقم عنهم ودفع المكارِهِ وإزالة الكروب والشدائدِ؛ فلولا دفعُه عنهم وتفريجُه لكُرُباتهم وإزالتُهُ لعسرِهِم؛ لاستمرَّتْ عليهم المكارهُ والشدائدُ، فقراءُ إليه في تربيتهم بأنواع التربية وأجناس التدبير، فقراء إليه في تألُّههم له وحُبِّهم له وتعبُّدهم وإخلاص العبادة له تعالى؛ فلو لم يوفِّقْهم لذلك؛ لهلكوا وفسدتْ أرواحُهم وقلوبُهم وأحوالُهم، فقراءُ إليه في تعليمهم ما لا يعلمون وعملهم بما يُصْلِحُهم؛ فلولا تعليمُه؛ لم يتعلَّموا، ولولا توفيقُه؛ لم يَصْلُحوا؛ فهم فقراء بالذات إليه بكلِّ معنى وبكل اعتبارٍ، سواء شعروا ببعض أنواع الفقرِ أم لم يشعُروا، ولكنَّ الموفَّق منهم الذي لا يزال يشاهدُ فَقْرَه في كل حال من أمورِ دينه ودنياه، ويتضرَّعُ له ويسألُه أنْ لا يَكِلَه إلى نفسِهِ طرفةَ عين وأنْ يعينَه على جميع أمورِهِ، ويستصحبُ هذا المعنى في كلِّ وقتٍ؛ فهذا حريٌّ بالإعانة التامَّة من ربِّه وإلهه الذي هو أرحمُ به من الوالدةِ بولدها. {والله هو الغنيُّ الحميدُ}؛ أي: الذي له الغنى التامُّ من جميع الوجوه؛ فلا يحتاجُ إلى ما يحتاجُ إليه خلقُه، ولا يفتقرُ إلى شيءٍ مما يفتقرُ إليه الخلقُ، وذلك لكمال صفاتِهِ، وكونِها كلها صفاتِ كمال ونعوتَ جلال، ومن غناه تعالى أنَّه أغنى الخلقَ في الدُّنيا والآخرة، الحميدُ في ذاته، وأسمائِهِ؛ لأنَّها حسنى، وأوصافه؛ لكونها عليا، وأفعاله؛ لأنَّها فضلٌ وإحسانٌ وعدلٌ وحكمةٌ ورحمةٌ، وفي أوامره ونواهيه؛ فهو الحميدُ على ما فيه، وعلى ما منّه ، وهو الحميدُ في غناه، الغنيُّ في حمده.