ومن ذلك الناسُ والدوابُّ و
الأنعام؛ فيها من اختلاف الألوان والأوصافِ والأصواتِ والهيئاتِ ما هو مرئيٌّ بالأبصار مشهودٌ للنُّظَّارِ، والكلُّ من أصل واحدٍ ومادةٍ واحدةٍ، فتفاوتُها دليلٌ عقليٌّ على مشيئةِ الله تعالى التي خَصَّصَتْ ما خَصَّصَتْ منها بلونِهِ ووصفِهِ، وقدرة الله تعالى حيث أوجدها كذلك، وحكمتِهِ ورحمتِهِ حيث كان ذلك الاختلاف وذلك التفاوتُ فيه من المصالح والمنافع ومعرفة الطرق ومعرفة الناس بعضهم بعضاً ما هو معلوم، وذلك أيضاً دليلٌ على سعة علم الله تعالى، وأنه يَبْعَثُ مَنْ في القبور. ولكن الغافل ينظر في هذه الأشياء وغيرها نَظَرَ غفلةٍ لا تحدثُ له تذكُّراً، وإنَّما ينتفع بها من يخشى الله تعالى ويعلم بفكرِهِ الصائب وجهَ الحكمة فيها، ولهذا قال:
{إنَّما يخشى اللهَ من عبادِهِ العلماءُ}: فكلُّ من كان بالله أعلم؛ كان أكثرَ له خشيةً، وأوجبتْ له خشيةُ الله الانكفافَ عن المعاصي والاستعدادَ للقاء مَنْ يخشاه، وهذا دليلٌ على فضيلة العلم؛ فإنَّه داع إلى خشية الله، وأهلُ خشيتِهِ هم أهلُ كرامتِهِ؛ كما قال تعالى:
{رضي الله عنهم ورَضُوا عنه ذلك لِمَنْ خَشِيَ ربَّه}.
{إنَّ الله عزيزٌ}: كامل العزَّة، ومن عزَّته خَلْقُ هذه المخلوقات المتضادَّات.
{غفورٌ}: لذنوب التائبين.