فكأنَّ قومَه لم يَقْبَلوا نُصْحَهُ، بل عادوا لائمين له على اتِّباع الرسل وإخلاص الدين لله وحده، فقال: {وما لي لا أعبُدُ الذي فَطَرَني وإليه تُرْجَعونَ}؛ أي: وما المانعُ لي من عبادةِ مَنْ هو المستحقُّ للعبادة؛ لأنَّه الذي فَطَرني وخَلَقَني ورَزَقَني وإليه مآل جميع الخلق فيجازيهم بأعمالهم؛ فالذي بيدِهِ الخَلْقُ والرزقُ والحكمُ بين العباد في الدُّنيا والآخرة هو الذي يَسْتَحِقُّ أن يُعْبَدَ ويُثْنى عليه ويُمَجَّدَ دون مَنْ لا يملِكُ نفعاً ولا ضرًّا ولا عطاءً ولا منعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، ولهذا قال: {أأتَّخِذُ من دونِهِ آلهةً إن يُرِدْنِ الرحمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عنِّي شفاعَتُهُم شيئاً}: لأنَّه لا أحدَ يشفع عند الله إلاَّ بإذنِهِ؛ فلا تُغْني شفاعتُهم عني شيئاً {ولا هم يُنقِذونِ}: من الضُّرِّ الذي أرادَه اللهُ بي. {إنِّي إذاً}؛ أي: إن عبدتُ آلهةً هذا وصفُها {لَفي ضلال مُبينٍ}: فجمع في هذا الكلام بين نُصحهم، والشهادةِ للرسُل بالرسالةِ والاهتداءِ، والإخبار بتعيُّن عبادة الله وحدَه، وذكر الأدلَّة عليها، وأنَّ عبادة غيرِهِ باطلةٌ، وذَكَرَ البراهينَ عليها والأخبارَ بضلال مَنْ عَبَدَها، والإعلان بإيمانِهِ جَهْراً مع خوفِهِ الشديد من قتلهم، فقال: {إنِّي آمنتُ بربِّكُم فاسمعونِ}.