{أتَّخَذْناهُم سِخْرِيًّا أم زاغَتْ عنهُمُ الأبصارُ}؛ أي: عدم رؤيتنا لهم دائرٌ بين أمرينِ: إمَّا أنَّنا غالِطونَ في عدِّنا إيَّاهم من الأشرارِ، بل هم من الأخيارِ، وإنَّما كلامُنا لهم من باب السُّخرية والاستهزاء بهم، وهذا هو الواقع؛ كما قال تعالى لأهل النار: {إنَّه كان فريقٌ من عِبادي يقولون رَبَّنا آمَنَّا فاغْفِرْ لنا، وارْحَمْنا وأنت خيرُ الراحمين. فاتَّخَذْتُموهم سِخْريًّا حتى أنْسَوْكُم ذِكْري وكنتُم منهم تضحكونَ}. والأمرُ الثاني: أنَّهم لعلَّهم زاغتْ أبصارُنا عن رؤيتهم معنا في العذاب، وإلاَّ؛ فهم معنا معذَّبون، ولكن تجاوزَتْهُم أبصارُنا! فيُحتمل أنَّ هذا الذي في قلوبهم، فتكون العقائدُ التي اعتقدوها في الدُّنيا وكثرة ما حكموا لأهل الإيمان بالنار تمكَّنتْ من قلوبِهم وصارتْ صبغةً لها، فدخلوا النار وهم بهذه الحالة، فقالوا ما قالوا. ويُحتمل أنَّ كلامَهم هذا كلامُ تمويهٍ؛ كما موَّهوا في الدُّنيا موَّهوا حتى في النار، ولهذا يقول أهلُ الأعراف لأهل النار: {أهؤلاء الذين أقْسَمْتُم لا ينالُهُمُ الله برحمةٍ، ادْخُلوا الجنةَ لا خوفٌ عليكم ولا أنتم تحزنونَ}.