فلما علم أنه مُنْظَرٌ؛ بادى ربَّه من خبثه بشدَّة العداوةِ لربِّه ولآدم وذُرِّيَّتِهِ، فقال: {فبعزَّتِك لأغْوِيَنَّهُم أجمعينَ}: يُحتمل أنَّ الباء للقسم، وأنَّه أقسم بعزَّةِ الله ليغوينَّهم كلَّهم أجمعين {إلاَّ عبادك منهم المخلَصين}: علم أنَّ الله سيحفظُهم من كيدِهِ. ويُحتمل أنَّ الباء للاستعانة، وأنَّه لما علم أنه عاجزٌ من كل وجهٍ، وأنه لا يضلُّ أحداً إلاَّ بمشيئة الله تعالى، فاستعانَ بعزَّةِ الله على إغواءِ ذُرِّيَّةِ آدمَ. هذا وهو عدوُّ الله حقًّا، ونحن يا ربَّنا العاجزونَ المقصرونَ، المقرُّونَ لك بكل نعمةٍ، ذُرِّيَّةُ من شَرَّفْتَه وكرَّمْتَه؛ فنستعين بعزَّتك العظيمة، وقدرتك، ورحمتك الواسعة لكلِّ مخلوق، ورحمتك التي أوصلتَ إلينا بها ما أوصلتَ من النعم الدينيَّة والدنيويَّة، وصرفتَ بها ما عنَّا صرفتَ من النِّقم، أن تعينَنا على محاربتِهِ وعداوتِهِ والسلامة من شرِّه وشركِهِ، ونحسنُ الظَّنَّ بك أن تجيبَ دعاءنا، ونؤمنُ بوعدِك الذي قلت لنا: {وقال ربُّكم ادْعوني أسْتَجِبْ لكُم}؛ فقد دَعَوْناك كما أمَرْتَنا، فاستجِبْ لنا كما وَعَدْتَنا. {إنَّك لا تُخْلِفُ الميعاد}.