ولكنَّه مع هذا زاد بياناً لكماله بمن نَزَلَ عليه، وهو محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، الذي هو أشرف الخلق، فعُلِمَ أنَّه أشرف الكتب، وبما نزل به، وهو الحقُّ، فنزل بالحقِّ الذي لا مِرْيَةَ فيه لإخراج الخلق من الظُّلمات إلى النور، ونزل مشتملاً على الحقِّ في أخباره الصادقة وأحكامه العادلة؛ فكلُّ ما دلَّ عليه؛ فهو أعظم أنواع الحقِّ من جميع المطالب العلميَّة، وما بعد الحقِّ إلاَّ الضلال. ولمَّا كان نازلاً من الحقِّ مشتملاً على الحقِّ لهداية الخَلْق على أشرف الخلق؛ عَظُمَتْ فيه النعمةُ، وجلَّت، ووجب القيامُ بشكرِها، وذلك بإخلاص الدين لله؛ فلهذا قال: {فاعْبُدِ الله مخلصاً له الدين}؛ أي: أخلص لله تعالى جميعَ دينِكَ من الشرائع الظاهرة والشرائع الباطنة: الإسلام والإيمان والإحسان؛ بأنْ تُفْرِدَ الله وحدَه بها، وتقصُدَ به وَجْهَهُ، لا غير ذلك من المقاصد.