يخبر تعالى أنه المتفرِّدُ بالتصرُّف بالعباد في حال يقظتهم ونومهم وفي حال حياتهم وموتهم، فقال: {الله يتوفَّى الأنفسَ حين موتِها}: وهذه الوفاةُ الكبرى وفاةُ الموت، وإخبارُه أنَّه يتوفَّى الأنفس وإضافةُ الفعل إلى نفسِهِ لا ينافي أنَّه قد وَكَّلَ بذلك مَلَكَ الموت وأعوانه؛ كما قال تعالى: {قُلْ يَتَوفَّاكم مَلَكُ الموتِ الذي وُكِّل بكم}، {حتى إذا جاء أحَدَكُمُ الموتُ توفَّتْه رُسُلُنا وهم لا يفرِّطونَ}؛ لأنَّه تعالى يضيفُ الأشياء إلى نفسه باعتبار أنَّه الخالق المدبِّرُ، ويضيفُها إلى أسبابها باعتبار أنَّ من سننِهِ تعالى وحكمتِهِ أن جعل لكلِّ أمر من الأمور سبباً. وقوله: {والتي لم تَمُتْ في منامها}: وهذه الموتةُ الصغرى؛ أي: ويمسك النفسَ التي لم تَمُتْ في منامها، {فيُمْسِكُ}: من هاتين النفسين النفسَ {التي قضى عليها الموتَ}، وهي نفسُ مَنْ كان ماتَ أو قُضِيَ أنْ يموتَ في منامه، {ويرسلُ} النفسَ {الأخرى إلى أجل مسمًّى}؛ أي: إلى استكمال رِزْقِها وأجَلِها. {إنَّ في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكَّرونَ}: على كمال اقتدارِهِ وإحيائِهِ الموتى بعد موتهم. وفي هذه الآية دليلٌ على أنَّ الرُّوح والنفس جسمٌ قائمٌ بنفسِهِ، مخالفٌ جوهرُهُ جوهَرَ البدن، وأنَّها مخلوقةٌ مدبَّرةٌ يتصرَّفُ الله فيها في الوفاةِ والإمساكِ والإرسال، وأنَّ أرواحَ الأحياء والأموات تتلاقى في البرزخ فتجتمعُ فتتحادثُ، فيرسِلُ الله أرواحَ الأحياء، ويُمْسِكُ أرواح الأمواتِ.