لما ذَكَرَ تعالى حُكْمَه بين عبادِهِ الذين جَمَعَهم في خلقه ورزقِهِ وتدبيرِهِ واجتماعهم في موقف القيامة؛ فرَّقَهم تعالى عند جزائِهِم كما افترقوا في الدُّنيا بالإيمان والكفرِ والتقوى والفجور، فقال:
{وسيقَ الذين كَفَروا إلى جَهَنَّمَ}؛ أي: سوقاً عنيفاً، يُضربون بالسياط الموجعة من الزَّبانيةِ الغلاظِ الشدادِ، إلى شرِّ محبسٍ وأفظع موضع، وهي جهنَّم، التي قد جَمَعَتْ كلَّ عذاب، وحَضَرها كلُّ شقاءٍ، وزال عنها كلُّ سرورٍ؛ كما قال تعالى:
{يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّم دعًّا}؛ أي: يُدفعون إليها دفعاً، وذلك لامتناعهم من دخولِها ويُساقون إليها،
{زمراً}؛ أي: فرقاً متفرِّقة، كلُّ زمرة مع
الزمرةِ التي تناسب عَمَلها وتشاكِلُ سَعْيَها، يلعنُ بعضُهم بعضاً ويبرأ بعضُهم من بعضٍ،
{حتى إذا جاؤوها}؛ أي: وصلوا إلى ساحتها،
{فُتِحَتْ}: لهم؛ أي: لأجلهم
{أبوابُها}: لقدومِهم وقرى لنزولهم،
{وقال لهم خَزَنَتُها}: مهنِّين لهم بالشقاءِ الأبديِّ والعذاب السرمديِّ، وموبِّخين لهم على الأعمال التي أوصلتْهم إلى هذا المحلِّ الفظيع:
{ألم يأتِكُمْ رُسُلٌ منكم}؛ أي: من جِنْسِكُم، تعرِفونهم وتعرِفون صِدْقَهم، وتتمكَّنون من التلقِّي عنهم،
{يَتْلونَ عليكم آياتِ ربِّكُم}: التي أرْسَلَهم الله بها، الدالَّةُ على الحقِّ اليقين بأوضح البراهين،
{ويُنذِرونَكم لقاءَ يومِكُم هذا}؛ أي: وهذا يوجِبُ عليكم اتِّباعهم والحَذر من عذابِ هذا اليوم باستعمال تَقْواه، وقد كانت حالُكم بخلافِ هذه الحال،
{قالوا}: مقرِّين بذنبهم وأنَّ حُجَّةَ الله قامتْ عليهم:
{بلى}: قد جاءتْنا رسُلُ ربِّنا بآياتِهِ وبيناتِهِ، وبيَّنوا لنا غايةَ التبيينِ، وحذَّرونا من هذا اليوم.
{ولكنْ حَقَّتْ كلمةُ العذابِ على الكافرينَ}؛ أي: بسبب كفرِهم وَجَبَتْ عليهم كلمةُ العذابِ التي هي لكلِّ مَنْ كَفَرَ بآيات الله وجَحَدَ ما جاءتْ به المرسلونَ، فاعْتَرَفوا بذَنْبِهم وقيام الحجَّةِ عليهم.