{ها أنتم هؤلاء جادَلْتُم عنهم في الحياة الدُّنيا فمن يجادِلُ الله عنهم يوم القيامة أم من يكونُ عليهم وكيلاً}؛ أي: هَبْكم جادلتم عنهم في هذه الحياة الدنيا ودَفَعَ عنهم جدالُكم بعضَ ما يحذَرون من العارِ والفضيحةِ عند الخَلْق؛ فماذا يُغني عنهم وينفعُهم؟! ومَن يجادلُ الله عنهم يوم القيامة حين تتوجَّه عليهم الحجَّة وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجُلُهم بما كانوا يعملون؟! يومئذٍ يوفِّيهم الله دينهم الحق ويعلمون أنَّ الله هو الحق المبين؛ فمن يجادلُ عنهم من يعلم السِّرَّ وأخفى ومن أقام عليهم من الشهود ما لا يمكن معه الإنكارُ؟ وفي هذه الآية الإرشاد إلى المقابلة بين ما يُتَوَهَّم من مصالح الدُّنيا المترتبة على ترك أوامر الله أو فعل مناهيه وبين ما يَفوتُ من ثواب الآخرة أو يَحْصُلُ من عقوباتِها، فيقولُ من أمرتْه نفسُهُ بتركِ أمر الله: ها أنت تركتَ أمره كسلاً وتفريطاً؛ فما النفع الذي انتفعت به؟ وماذا فاتك من ثواب الآخرة؟ وماذا ترتَّب على هذا الترك من الشقاء والحرمان والخيبة والخسران؟ وكذلك إذا دعته نفسُه إلى ما تشتهيه من الشَّهوات المحرَّمة؛ قال لها: هبكِ فعلتِ ما اشتهيتِ؛ فإنَّ لذَّته تنقضي ويعقُبها من الهموم والغموم والحَسَرات وفوات الثواب وحصول العقاب ما بعضُه يكفي العاقل في الإحجام عنها، وهذا من أعظم ما ينفع العبدَ تدبُّره، وهو خاصَّة العقل الحقيقي؛ بخلاف من يدَّعي العقل وليس كذلك؛ فإنَّه بجهله وظلمِهِ يؤثر اللَّذَّة الحاضرة والراحة الراهنة، ولو ترتَّب عليها ما ترتب. والله المستعان.