سورة النساء تفسير السعدي الآية 113

وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكَ وَرَحۡمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّاۤىِٕفَةࣱ مِّنۡهُمۡ أَن یُضِلُّوكَ وَمَا یُضِلُّونَ إِلَّاۤ أَنفُسَهُمۡۖ وَمَا یَضُرُّونَكَ مِن شَیۡءࣲۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ وَكَانَ فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكَ عَظِیمࣰا ﴿١١٣﴾

تفسير السعدي سورة النساء

ثم ذكر منَّته على رسوله بحفظه وعصمتِهِ ممَّن أراد أن يضلَّه، فقال: {ولولا فضلُ الله عليك ورحمتُهُ لهمَّتْ طائفةٌ منهم أن يضلوك}: وذلك أنَّ هذه الآيات الكريمات قد ذكر المفسرون أنَّ سبب نزولها أنَّ أهل بيت سَرَقوا في المدينة، فلما اطُّلع على سرقتهم؛ خافوا الفضيحة، وأخذوا سرقتهم، فرموها ببيت من هو بريء من ذلك، واستعان السارق بقومِهِ أن يأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويطلُبوا منه أن يبرِّئ صاحِبَهم على رؤوس الناس، وقالوا: إنَّه لم يسرِقْ وإنَّما الذي سرق من وجدت السرقةُ ببيتِهِ وهو البريء، فهمَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبرِّئ صاحبهم، فأنزل الله هذه الآيات تذكيراً وتبييناً لتلك الواقعة وتحذيراً للرسول - صلى الله عليه وسلم - من المخاصمة عن الخائنين؛ فإنَّ المخاصمة عن المبطِل من الضَّلال؛ فإنَّ الضلال نوعان: ضلالٌ في العلم وهو الجهل بالحقِّ، وضلالٌ في العمل وهو العملُ بغير ما يجب؛ فحفظ الله رسوله عن هذا النوع من الضَّلال كما حفظه عن الضلال في الأعمال، وأخبر أن كَيْدَهم ومَكْرَهم يعودُ على أنفسِهم كحالة كلِّ ماكر، فقال: {وما يضلُّون إلا أنفسَهم}؛ لكون ذلك المكر وذلك التحيُّل لم يحصُل لهم فيه مقصودُهم ولم يحصُل لهم إلا الخيبة والحرمان والإثم والخُسران، وهذا نعمةٌ كبيرةٌ على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، يتضمَّن النعمةَ بالعمل، وهو التوفيق لفعل ما يجب والعصمة له عن كل محرم، ثم ذكر نعمته عليه بالعلم، فقال: {وأنزل الله عليك الكتابَ والحكمةَ}؛ أي: أنزل عليك هذا القرآن العظيم والذِّكر الحكيم الذي فيه تبيانُ كلِّ شيءٍ وعلم الأولين والآخرين. والحكمة إمّا السُّنة التي قد قال فيها بعض السلف: إن السُّنةَ تُنزل عليه كما يُنزل القرآن، وإمّا معرفة أسرار الشريعة الزائدة على معرفة أحكامها وتنزيل الأشياء منازلها وترتيب كلِّ شيءٍ بحسبه. {وعلَّمك ما لم تكُن تعلمُ}: وهذا يشمل جميع ما علَّمه الله تعالى؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - كما وصفه الله قبل النبوة بقوله: {ما كنت تدري ما الكتابُ ولا الإيمان}، {ووجدَكَ ضالاًّ فهدى}، ثم لم يزل يُوحي الله إليه ويعلِّمه ويكمِّله حتى ارتقى مقاماً من العلم يتعذَّر وصولُه على الأولين والآخرين، فكان أعلم الخلق على الإطلاق وأجمعهم لصفات الكمال وأكملهم فيها، ولهذا قال: {وكان فضلُ الله عليك عظيماً}؛ ففضلُهُ على الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - أعظم من فضلِهِ على كلِّ الخلق ، وأجناس الفضل الذي قد فضَّله الله به لا يمكن استقصاؤه ولا يتيسَّر إحصاؤه.