وهذا عامٌّ لكل منافق؛ إلاَّ مَن مَنَّ الله عليهم بالتوبة من السيئات.
{وأصلحوا}: له الظواهر والبواطن. واعتصموا به والتجؤوا إليه في جلب منافعهم ودفع المضار عنهم،
{وأخلصوا دينهم}: الذي هو الإسلامُ والإيمان والإحسان
{لله}: فقصدوا وجهَ الله بأعمالهم الظاهرة والباطنة، وسلِموا من الرياء والنفاق؛ فمن اتَّصف بهذه الصفات
{فأولئك مع المؤمنين}؛ أي: في الدُّنيا والبرزخ ويوم القيامة،
{وسوف يؤت الله المؤمنينَ أجراً عظيماً}: لا يعلمُ كُنْهَهُ إلا الله، مما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر. وتأمَّل كيف خصَّ الاعتصام و
الإخلاص بالذِّكر مع دخولهما في قوله:
{وأصلحوا}؛ لأنَّ الاعتصام و
الإخلاص من جملة الإصلاح؛ لشدَّة الحاجة إليهما، خصوصاً في هذا المقام الحرج، الذي تمكَّن من القلوبِ النفاقُ، فلا يزيله إلاَّ شدة الاعتصام بالله ودوام اللجأ والافتقار إليه في دفعه، وكون
الإخلاص منافٍ كل المنافاة للنفاق، فذكرهما لفضلِهما وتوقُّف الأعمال الظاهرة والباطنة عليهما ولشدَّة الحاجة في هذا المقام إليهما. وتأمَّل كيف لما ذكر أنَّ هؤلاء مع المؤمنين؛ لم يقل: وسوف يؤتيهم أجراً عظيماً، مع أن السياق فيهم، بل قال:
{وسوف يؤتي الله المؤمنين أجراً عظيماً}؛ لأنَّ هذه القاعدة الشريفة لم يزل الله يبدئ فيها ويعيد إذا كان السياق في بعض الجزئيات، وأراد أن يترتب عليه ثواباً أو عقاباً، وكان ذلك مشتركاً بينه وبين الجنس الداخل فيه؛ رتَّب الثواب في مقابلة الحكم العام الذي تندرج تحته تلك القضية وغيرها، ولئلاَّ يُتَوَهَّم اختصاصُ الحكم بالأمرِ الجزئيِّ؛ فهذا من أسرار القرآن البديعة؛ فالتائبُ من المنافقين مع المؤمنين وله ثوابُهم.