يخبر تعالى أنَّه أوحى إلى عبده ورسوله من الشرع العظيم والأخبار الصادقة ما أوحى إلى هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وفي هذا عدة فوائد: منها: أنَّ محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليس ببدع من الرسل، بل أرسل الله قبله من المرسلين العدد الكثير والجمَّ الغفير؛ فاستغراب رسالته لا وجه له إلاَّ الجهل أو العناد. ومنها: أنَّه أوحى إليه كما أوحى إليهم من الأصول والعدل الذي اتَّفقوا عليه، وأنَّ بعضهم يصدِّق بعضاً، ويوافق بعضهم بعضاً. ومنها: أنَّه من جنس هؤلاء الرسل؛ فليعتبِرْه المعتبر بإخوانه المرسلين؛ فدعوتُه دعوتُهم، وأخلاقُهم متَّفقة، ومصدَرُهم واحدٌ، وغايتُهم واحدةٌ، فلم يقرنْه بالمجهولين ولا بالكذَّابين ولا بالملوك الظَّالمين. ومنها: أنَّ في ذِكْرِ هؤلاء الرسل وتعدادهم من التنويه بهم والثناء الصادق عليهم وشرح أحوالهم مما يزداد به المؤمنُ إيماناً بهم ومحبَّة لهم واقتداءً بهديهم واستناناً بسنَّتهم ومعرفةً بحقوقِهم، ويكون ذلك مصداقاً لقوله:
{سلامٌ على نوح في العالمين} {سلامٌ على إبراهيم} {سلامٌ على موسى وهارون} {سلامٌ على إلياسينَ. إنَّا كذلك نَجْزي المحسنينَ}؛ فكل محسن له من الثَّناء الحسن بين الأنام بحسبِ إحسانِهِ، والرسلُ خصوصاً هؤلاء المسمَّون في المرتبة العلياء من الإحسان. ولمّا ذكر اشتراكهم بوحيه؛ ذَكَرَ تخصيص بعضِهم، فذَكَرَ أنَّه آتى داود الزَّبور، وهو الكتاب المعروف المزبور، الذي خَصَّ الله به داود عليه السلام لفضلِهِ وشرفِهِ، وأنَّه كلَّم موسى تكليماً؛ أي: مشافهةً منه إليه لا بواسطة، حتى اشتهر بهذا عند العالمين، فيقال: موسى كليم الرحمن.