يأمر تعالى جميعَ الناس أن يؤمِنوا بعبدِهِ ورسوله محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وذكر السبب الموجب للإيمان به والفائدة من الإيمان به. والمضرَّة من عدم الإيمان به. فالسَّبب الموجب هو إخباره بأنَّه جاءهم بالحقِّ؛ أي: فمجيئُهُ نفسُه حقٌّ وما جاء به من الشرع حقٌّ؛ فإنَّ العاقل يعرِفُ أن بقاء الخلق في جهلهم يعمهون وفي كفرِهم يتردَّدون والرسالة قد انقطعت عنهم غيرُ لائق بحكمةِ الله ورحمته؛ فمن حكمتِهِ ورحمته العظيمة نفس إرسال الرسول إليهم ليعرِّفهم الهدى من الضلال والغي من الرشد؛ فمجرَّد النظر في رسالتِهِ دليلٌ قاطعٌ على صحَّة نبوَّته، وكذلك النظر إلى ما جاء به من الشرع العظيم والصِّراط المستقيم؛ فإنَّ فيه من الإخبار بالغيوب الماضية والمستقبلة والخبر عن الله وعن اليوم الآخرِ ما لا يعرفه إلاَّ بالوحي والرسالة وما فيه من الأمر بكلِّ خير وصلاح ورشدٍ وعدل وإحسان وصدق وبرٍّ وصلةٍ وحسن خُلق، ومن النهي عن الشرِّ والفساد والبغي والظُّلم وسوء الخُلُق والكذب والعقوق، مما يقطع به أنَّه من عند الله، وكلَّما ازداد به العبد بصيرةً؛ ازداد إيمانُه ويقينُه؛ فهذا السبب الداعي للإيمان. وأما الفائدة في الإيمان؛ فأخبر أنه خيرٌ
{لكم}، والخير ضدُّ الشرِّ؛ فالإيمان خير للمؤمنين في أبدانهم وقلوبهم وأرواحهم ودُنياهم وأخراهم، وذلك لما يترتَّب عليه من المصالح والفوائد؛ فكلُّ ثواب عاجل وآجل فمن ثمرات الإيمان؛ ف
النصر والهدى والعلم والعمل الصالح والسرور والأفراح والجنَّة وما اشتملت عليه من النعيم كلُّ ذلك سبب عن الإيمان؛ كما أن الشقاء الدُّنيويَّ والأخرويَّ من عدم الإيمان أو نقصه. وأما مضرَّة عدم الإيمان به - صلى الله عليه وسلم -؛ فيُعْرَفُ بضدِّ ما يترتَّب على الإيمان به وأن العبد لا يضرُّ إلاَّ نفسه، والله تعالى غنيٌّ عنه لا تضرُّه معصية العاصين، ولهذا قال:
{فإنَّ لله ما في السموات والأرضِ}؛ أي: الجميع خَلْقُه وملكُه وتحت تدبيره وتصريفه.
{وكان الله عليماً}: بكلِّ شيءٍ
{حكيماً}: في خلقِهِ وأمره؛ فهو العليم بمن يستحقُّ الهداية والغواية، الحكيم في وضع الهداية والغواية موضعهما.