ومن المحرَّمات في النكاح {المحصناتُ من النساء}؛ أي: ذوات الأزواج؛ فإنَّه يَحْرُمُ نكاحهنَّ ما دمنَ في ذمة الزوج حتى تَطْلُقَ وتنقضيَ عِدَّتُها؛ {إلا ما ملكت أيمانكُم}؛ أي: بالسبي؛ فإذا سُبِيَتِ الكافرةُ ذات الزوج؛ حلَّت للمسلمين بعد أن تُسْتَبْرأ، وأما إذا بيعت الأمة المزوَّجةَ أو وُهِبَتْ؛ فإنَّه لا ينفسخُ نكاحُها؛ لأنَّ المالك الثاني نزل منزلة الأول، ولقصة بَريرة حين خيَّرها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: {كتاب الله عليكم}؛ أي: الزموه واهتدوا به؛ فإن فيه الشفاء والنور، وفيه تفصيل الحلال من الحرام. ودخل في قوله: {وأحِلَّ لكم ما وراء ذلكم}: كلُّ ما لم يُذْكَرْ في هذه الآية؛ فإنه حلال طيب؛ فالحرام محصورٌ، والحلال ليس له حدٌّ ولا حصرٌ؛ لطفاً من الله ورحمة وتيسيراً للعباد. وقوله: {أن تبتغوا بأموالكم}؛ أي: تطلُبوا مَن وَقَعَ عليه نظرُكُم واختيارُكُم من اللاتي أباحهنَّ الله لكم حالة كونكم {محصنينَ}؛ أي: مستعفين عن الزنا ومعفين نساءكم. {غير مسافحين}: والسفحُ سفحُ الماء في الحلال والحرام؛ فإنَّ الفاعل لذلك لا يحصن زوجته؛ لكونه وضع شهوته في الحرام، فتضعف داعيته للحلال، فلا يبقى محصناً لزوجته. وفيها دلالة على أنه لا يزوَّج غيرُ العفيف؛ لقوله تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانيةً أو مشركةً والزانيةُ لا ينكِحُها إلا زانٍ أو مشركٌ}. {فما استمتعتم به منهن}؛ أي: من تزوَّجْتُموها. {فآتوهنَّ أجورهنَّ}؛ أي: الأجور في مقابلة الاستمتاع، ولهذا إذا دخل الزوج بزوجته؛ تقرَّر عليه صداقها {فريضةً}؛ أي: إتيانكم إياهنَّ أجورهنَّ فرضٌ فرضه الله عليكم، ليس بمنزلة التبرُّع الذي إن شاء أمضاه وإن شاء ردَّه، أو معنى قوله: {فريضةً}؛ أي: مقدَّرة، قد قدَّرتموها، فوجبت عليكم؛ فلا تنقصوا منها شيئاً. {ولا جُناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة}؛ أي: بزيادةٍ من الزوج أو إسقاطٍ من الزوجة عن رضا وطيب نفس. هذا قولُ كثيرٍ من المفسِّرين. وقال كثيرٌ منهم: إنها نزلت في متعة النساء التي كانت حلالاً في أول الإسلام، ثم حرَّمها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه يؤمر بتوقيتها وأجرها، ثم إذا انقضى الأمد الذي بينهما، فتراضيا بعد الفريضة؛ فلا حرج عليهما. والله أعلم. {إنَّ الله كان عليماً حكيماً}؛ أي: كامل العلم واسعه، كامل الحكمة؛ فمن علمه وحكمته شرع لكم هذه الشرائع، وحدَّ لكم هذه الحدود الفاصلة بين الحلال والحرام. ثم قال تعالى: