هذا تعجُّب من الله لعباده وتوبيخٌ للذين يُزكُّون أنفسهم من اليهود والنصارى ومَن نحا نحوَهم من كلِّ من زَكَّى نفسَه بأمر ليس فيه، وذلك أن اليهود والنصارى يقولون: {نحنُ أبناءُ الله وأحبَّاؤُهُ}، ويقولون: {لن يدخُلَ الجنَّة إلاَّ مَن كانَ هُوداً أو نصارى}: وهذا مجردُ دعوى لا برهانَ عليها، وإنَّما البرهانُ ما أخبر به في القرآن في قوله: {بلى مَن أسلمَ وجهَهُ للهِ وهو محسنٌ فلهُ أجرُهُ عندَ ربِّه ولا خوفٌ عليهم ولا هُم يحزنون}، فهؤلاء هم الذين زكَّاهم الله، ولهذا قال هنا: {بلِ اللهُ يُزكِّي مَن يشاء}؛ أي: بالإيمان والعمل الصالح، بالتخلِّي عن الأخلاق الرَّذيلة والتحلِّي بالصفات الجميلة، وأما هؤلاء؛ فهم وإن زَكَّوا أنفسهم بزعمهم أنهم على شيء وأنَّ الثواب لهم وحدهم؛ فإنهم كذبة في ذلك، ليس لهم من خصال الزاكين نصيبٌ بسبب ظلمهم وكفرهم لا بظُلم من الله لهم، ولهذا قال: {ولا يُظْلَمونَ فَتيلاً}، وهذا لتحقيق العموم؛ أي: لا يظلمون شيئاً، ولا مقدار الفتيل الذي في شِقِّ النَّواة أو الذي يُفْتَلُ من وسخ اليدِ وغيرها.