ثم أخبر عن ضعفاء الإيمان المتكاسِلين عن الجهاد فقال:
{وإنَّ منكُم}؛ أي: أيُّها المؤمنون،
{لمن لَيُبَطِّئَنَّ}؛ أي: يتثاقل عن الجهاد في سبيل الله ضعفاً وخَوَراً وجُبناً. هذا الصحيح، وقيل: معناه لَيُبَطِّئَنَّ غَيْرَهُ؛ أي: يزهِّده عن القتال، وهؤلاء هم
المنافقون ، ولكنَّ الأول أولى لوجهين: أحدهما: قولُه:
{منكم}، والخطاب للمؤمنين. والثاني: قوله في آخر الآية:
{كأن لم تَكُن بينَكُم وبينَه مودَّةٌ}؛ فإنَّ الكفَّار من المشركين والمنافقين قد قَطَعَ الله بينَهم وبينَ المؤمنين المودَّةَ. وأيضاً؛ فإنَّ هذا هو الواقع؛ فإنَّ المؤمنين على قسمين: صادقون في إيمانِهِم أوْجَبَ لهم ذلك كمالَ التصديق والجهاد. وضعفاءُ دخلوا في الإسلام فصار معهم إيمانٌ ضعيفٌ لا يقوى على الجهادِ؛ كما قال تعالى:
{قالتِ الأعرابُ آمَنَّا قُلْ لم تُؤْمِنوا ولكن قولوا أسْلَمْنا ... } إلى آخر الآيات. ثم ذَكَرَ غاياتِ هؤلاء المتثاقلين ونهاية مقاصدهم، وأنَّ معظم قصدِهم الدُّنيا وحطامها، فقال:
{فإنْ أصابَتْكم مصيبةٌ}؛ أي: هزيمةٌ وقتلٌ وظَفِر الأعداء عليكم في بعض الأحوال لِمَا لِلَّهِ في ذلك من الحِكَمِ،
{قال} ذلك المتخلِّف:
{قد أنعم الله عليَّ إذ لم أكُن معهم شهيداً}: رأى من ضَعْف عقلِهِ وإيمانِهِ أنَّ التقاعُدَ عن الجهادِ الذي فيه تلك المصيبةُ نعمةٌ، ولم يدرِ أن النعمة الحقيقيَّةَ هي التوفيق لهذه الطاعة الكبيرة التي بها يَقْوى الإيمانُ ويَسْلَم بها العبدُ من العقوبة والخسران، ويحصُلُ له فيها عظيمُ الثواب ورضا الكريم الوهَّاب، وأما القعود؛ فإنه وإن استراح قليلاً؛ فإنَّه يَعْقُبُه تعبٌ طويلٌ وآلامٌ عظيمةٌ، ويفوتُهُ ما يحصُلُ للمجاهدين.