الفرقة الثالثة: قومٌ يريدون مصلحة أنفسهم، بقطع النظر عن احترامكم، وهم الذين قال الله فيهم: {ستجِدون آخرينَ}؛ أي: من هؤلاء المنافقين. {يريدونَ أن يأمَنوكم}؛ أي: خوفاً منكم، {ويأمنوا قومَهم كلَّما رُدُّوا إلى الفتنةِ أُرْكِسوا فيها}؛ أي: لا يزالون مقيمين على كفرِهم ونفاقِهم، وكلَّما عَرَضَ لهم عارضٌ من عوارض الفتنِ؛ أعماهم ونَكَّسَهُم على رؤوسهم وازداد كفرُهم ونفاقُهم، وهؤلاء في الصورة كالفرقة الثانية، وفي الحقيقة مخالفة لها؛ فإنَّ الفرقة الثانية تركوا قتال المؤمنين احتراماً لهم لا خوفاً على أنفسهم، وأما هذه الفرقة؛ فتركوه خوفاً لا احتراماً، بل لو وجدوا فرصةً في قتال المؤمنين؛ فإنَّهم سيُقِدمون لانتهازها؛ فهؤلاء إن لم يتبيَّن منهم، ويتَّضح اتِّضاحاً عظيماً اعتزال المؤمنين وترك قتالهم؛ فإنَّهم يقاتَلون، ولهذا قال: {فإن لم يعتزِلوكم ويُلْقوا إليكُمُ السَّلمَ}؛ أي: المسالمة والموادعة، {ويَكُفُّوا أيديَهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثَقِفْتُموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطاناً مُبيناً}؛ أي: حجةً بيِّنةً واضحةً؛ لكونهم معتدين ظالمين لكم تاركين للمسالمة؛ فلا يلوموا إلا أنفسهم.