ثم قال تعالى: {إنَّ الذين كفروا بالذِّكْر}؛ أي: يجحدون القرآن الكريم، المذكِّر للعباد جميع مصالحهم الدينيَّة والدنيويَّة والأخرويَّة، المعلي لِقَدْر من اتَّبعه، {لمَّا جاءهم}: نعمة من ربِّهم على يد أفضل الخلقِ وأكملهم. {و} الحال {إنَّه}: كتابٌ جامعٌ لأوصاف الكمال، {عزيزٌ}؛ أي: منيعٌ مِن كلِّ مَن أراده بتحريف أو سوءٍ، ولهذا قال: {لا يأتيه الباطلُ من بين يديهِ ولا من خلفهِ}؛ أي: لا يَقْرَبُهُ شيطانٌ من شياطين الإنس والجنِّ لا بسرقةٍ ولا بإدخال ما ليس منه به ولا بزيادةٍ ولا نقص؛ فهو محفوظٌ في تنزيله، محفوظةٌ ألفاظهُ ومعانيه، قد تكفَّل مَنْ أنزلَه بحفظِهِ؛ كما قال تعالى: {إنَّا نحنُ نَزَّلْنا الذِّكْر وإنَّا له لحافظونَ}. {تنزيلٌ من حكيم}: في خلقِهِ وأمرِهِ، يضع كلَّ شيء موضِعه وينزلها منازِلَها {حميدٍ}: على ما له من صفات الكمال ونعوت الجلال، وعلى ما له من العدل والإفضال؛ فلهذا كان كتابُهُ مشتملاً على تمام الحكمة وعلى تحصيل المصالح والمنافع ودفع المفاسدِ والمضارِّ التي يُحْمَدُ عليها.