{قل}: لهم يا أيُّها النبيُّ: {إنَّما أنا بشرٌ مثلُكُم يوحى إليَّ}؛ أي: هذه صفتي ووظيفتي: أني بشرٌ مثلكم، ليس بيدي من الأمر شيء، ولا عندي ما تستعجِلون به، وإنَّما فضَّلني الله عليكم وميَّزني وخصَّني بالوحي الذي أوحاه إليَّ وأمرني باتِّباعه ودعوتِكُم إليه. {فاستَقيموا إليه}؛ أي: اسلكوا الصراط الموصل إلى الله تعالى بتصديقِ الخبر الذي أخبر به واتِّباع الأمر واجتناب النهي، هذا حقيقة الاستقامة، ثم الدوام على ذلك، وفي قوله: {إليه}: تنبيهٌ على الإخلاص، وأنَّ العامل ينبغي له أن يَجْعَلَ مقصودَه وغايتَه التي يعمل لأجلها الوصولَ إلى الله وإلى دار كرامتِهِ؛ فبذلك يكون عملُه خالصاً صالحاً نافعاً، وبفواتِهِ يكون عملُه باطلاً. ولمَّا كان العبدُ ولو حَرَصَ على الاستقامةِ لا بدَّ أن يحصلَ منه خللٌ بتقصير بمأمور أو ارتكاب منهيٍّ؛ أمره بدواء ذلك بالاستغفار المتضمِّن للتوبة، فقال: {واستغفِروه}، ثم توعَّد من ترك الاستقامة فقال: {وويلٌ للمشركينَ. الذين لا يُؤتونَ الزَّكاةَ}؛ أي: الذين عَبَدوا من دونِهِ مَنْ لا يملك نفعاً ولا ضرًّا ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، ودسُّوا أنفسهم فلم يزكُّوها بتوحيد ربِّهم والإخلاص له، ولم يُصَلُّوا ولا زَكَّوْا؛ فلا إخلاص للخالق بالتوحيد والصلاةِ، ولا نفع للخلق بالزَّكاة وغيرها. {وهم بالآخرةِ هم كافرونَ}؛ أي: لا يؤمنون بالبعث ولا بالجنة والنار؛ فلذلك لما زال الخوفُ من قلوبهم؛ أقدموا على ما أقدموا عليه مما يضرُّهم في الآخرة.