يخبر تعالى أنَّه أوحى هذا القرآن العظيم على النبيِّ الكريم كما أوحى إلى مَنْ قبلَه من الأنبياء والمرسلين؛ ففيه بيانُ فضلِهِ بإنزال الكتبِ وإرسال الرُّسل سابقاً ولاحقاً، وأنَّ محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليس ببدع من الرسل، وأنَّ طريقَته طريقةُ مَنْ قبلَه، وأحوالَه تناسِبُ أحوالَ مَن قبلَه من المرسلين، وما جاء به يشابِهُ ما جاؤوا به؛ لأنَّ الجميع حقٌّ وصدقٌ، وهو تنزيلُ من اتَّصف بالألوهيَّة والعزَّة العظيمة والحكمة البالغةِ، وأنَّ جميع العالم العلويِّ والسفليِّ مُلْكُه وتحت تدبيرِهِ القدريِّ والشرعيِّ، وأنَّه {العليُّ} بذاتِهِ وقدرِهِ وقهرِهِ. {العظيم}: الذي من عظمتِهِ {تكادُ السمواتُ يتفطَّرْنَ من فوقِهِنَّ}: على عظمها وكونها جماداً، {والملائكةُ}: الكرامُ المقرَّبون خاضعون لعظمتِهِ مستكينون لعزَّته مذعنون بربوبِيَّته، {يسبِّحونَ بحمد ربِّهم}: ويعظِّمونه عن كل نقص، ويصِفونه بكل كمال، {ويستغفرونِ لِمَن في الأرض}: عما يصدُرُ منهم مما لا يليقُ بعظمة ربِّهم وكبريائِهِ، مع أنَّه تعالى {الغفورُ الرحيمُ}: الذي لولا مغفرتُه ورحمتُه؛ لعاجَلَ الخلقَ بالعقوبةِ المستأصِلَةِ. وفي وصفِهِ تعالى بهذه الأوصاف بعد أن ذَكَرَ أنَّه أوحى إلى الرسل كلهم عموماً وإلى محمدٍ ـ صلى الله عليهم وسلم ـ خصوصاً إشارةٌ إلى أنَّ هذا القرآن الكريم فيه من الأدلةُ والبراهينُ والآياتُ الدالَّةُ على كمال الباري تعالى ووصفِهِ بهذه الأسماء العظيمة الموجبة لامتلاءِ القلوب من معرفتِهِ ومحبتِه وتعظيمِه وإجلالِه وإكرامِه وصرف جميع أنواع العبوديَّة الظاهرة والباطنة له تعالى، وأنَّ من أكبر الظُّلم وأفحش القول اتِّخاذ أندادٍ من دونِهِ، ليس بيدِهِم نفعٌ ولا ضرٌّ ، بل هم مخلوقون مفتقرون إلى الله في جميع أحوالهم.