سورة الدخان تفسير السعدي الآية 10

فَٱرۡتَقِبۡ یَوۡمَ تَأۡتِی ٱلسَّمَاۤءُ بِدُخَانࣲ مُّبِینࣲ ﴿١٠﴾

تفسير السعدي سورة الدخان

{فارتقِبْ}؛ أي: انتظر فيهم العذابَ؛ فإنَّه قد قربَ وآنَ أوانه، {يومَ تأتي السماءُ بدخانٍ مبينٍ. يغشى الناسَ}؛ أي: يعمُّهم ذلك الدخان، ويقال لهم: {هذا عذابٌ أليمٌ}. واختلف المفسِّرون في المراد بهذا الدُّخان: فقيل: إنَّه الدخان الذي يغشى الناسَ ويعمُّهم حين تقرب النار من المجرمين في يوم القيامة، وأنَّ الله توعَّدهم بعذاب يوم القيامةِ، وأمر نبيَّه أن ينتظر بهم ذلك اليوم. ويؤيد هذا المعنى أنَّ هذه الطريقة هي طريقةُ القرآن في توعُّد الكفَّار والتأنِّي بهم وترهيبهم بذلك اليوم وعذابه وتسلية الرسول والمؤمنين بالانتظار بمن آذاهم. ويؤيِّده أيضاً أنَّه قال في هذه الآية: {أنَّى لهم الذِّكْرى وقد جاءَهُم رسولٌ مبينٌ}، وهذا يُقال يومَ القيامةِ للكفار حين يطلبون الرجوعَ إلى الدُّنيا، فيقال: قد ذهب وقتُ الرجوع. وقيل: إنَّ المراد بذلك ما أصاب كفارَ قريش حين امتنعوا من الإيمان واستَكْبروا على الحقِّ، فدعا عليهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «اللهمَّ أعِنِّي عليهم بسنينَ كَسِني يوسُفَ». فأرسل الله عليهم الجوع العظيم، حتى أكلوا الميتات والعظام، وصاروا يَرَوْنَ الذي بين السماء والأرض كهيئة الدخان، وليس به، وذلك من شدَّة الجوع، فيكون على هذا قولُه: {يوم تأتي السماءُ بدخانٍ}: أن ذلك بالنسبة إلى أبصارهم وما يشاهدون، وليس بدخانٍ حقيقةً، ولم يزالوا بهذه الحالة حتى اسْتَرْحموا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وسألوه أن يَدْعُوَ اللهَ لهم أن يكشِفَه الله عنهم، [فَدَعا رَبَّه]؛ فكشفه الله عنهم، وعلى هذا فيكون قوله: {إنَّا كاشِفو العذابِ قليلاً إنَّكم عائدونَ}: إخبارٌ بأنَّ الله سيصرِفُه عنهم ، وتوعُّدٌ لهم أن يعودوا إلى الاستكبار والتكذيب، وإخبارٌ بوقوعه، فوقع، وأنَّ الله سيعاقِبُهم بالبطشة الكبرى، قالوا: وهي وقعةُ بدرٍ. وفي هذا القول نظرٌ ظاهرٌ. وقيل: إنَّ المراد بذلك أن ذلك من أشراط الساعة، وأنَّه يكون في آخرِ الزَّمان دخانٌ يأخذُ بأنفاس الناس ويصيبُ المؤمنين منه كهيئةِ الدُّخان. والقول هو الأول. وفي الآية احتمالُ أنَّ المراد بقوله: {فارْتَقِبْ يوم تأتي السماءُ بدُخانٍ مبينٍ. يغشى الناسَ هذا عذابٌ أليمٌ. ربَّنا اكشِفْ عنَّا العذابَ إنَّا مؤمنونَ. أنَّى لهم الذِّكرى وقد جاءهُم رسولٌ مبينٌ. ثم تولَّوا عنه وقالوا معلمٌ مجنونٌ}: أنَّ هذا كلَّه [يكون] يوم القيامةِ، وأنَّ قولَه تعالى: {إنَّا كاشفو العذابِ قليلاً إنَّكم عائدونَ. يوم نَبْطِشُ البطشةَ الكُبرى إنَّا منتقمونَ}: أنَّ هذا ما وقع لقريش كما تقدم. وإذا أنزلت هذه الآيات على هذين المعنيين؛ لم تجد في اللفظ ما يمنعُ من ذلك، بل تَجِدُها مطابقةً لهما أتمَّ المطابقة، وهذا الذي يظهر عندي ويترجَّح. والله أعلم.