أي: قال الكفار بالحقِّ معاندين له ورادِّين لدعوته: {لو كان خيراً ما سبقونا إليه}؛ أي: ما سَبَقَنا إليه المؤمنون، أي: لكنّا أول مبادرٍ به وسابق إليه! وهذا من البهرجة في مكان؛ فأيُّ دليل يدلُّ على أنَّ علامة الحقِّ سبق المكذبين به للمؤمنين؟! هل هم أزكى نفوساً؟! أم أكمل عقولاً؟! أم الهدى بأيديهم؟! ولكن هذا الكلام الذي صدر منهم يعزُّون به أنفسهم، بمنزلة من لم يقدرْ على الشيء ثم طَفِقَ يذمُّه، ولهذا قال: {وإذْ لم يَهْتَدوا به فسيقولونَ هذا إفكٌ قَديمٌ}؛ أي: هذا السبب الذي دعاهم إليه أنهم لما لم يهتدوا بهذا القرآن، وفاتهم أعظمُ المواهب وأجلُّ الرغائب؛ قدحوا فيه بأنَّه كذبٌ، وهو الحقُّ الذي لا شكَّ فيه ولا امتراء يعتريه، {الذي} قد وافق الكتب السماويَّة، خصوصاً أكملها وأفضلها بعد القرآن، وهي التوراة التي أنزلها الله على {موسى إماماً ورحمة}؛ أي: يقتدي بها بنو إسرائيل ويهتدون بها، ويحصُلُ لهم خير الدنيا والآخرة. {وهذا}: القرآن {كتابٌ مصدقٌ}: للكتب السابقة، شهد بصدِقها وصدَّقها بموافقته لها، وجَعَلَه الله {لساناً عربيًّا}: ليسهل تناوله ويتيسر تذكُّره؛ {لينذر الذين ظلموا}: أنفسهم بالكفر والفسوق والعصيان إن استمرُّوا على ظلمهم بالعذاب الوبيل، ويبشر المحسنين في عبادة الخالق وفي نفع المخلوقين بالثواب الجزيل في الدُّنيا والآخرة، ويذكِّر الأعمال التي ينذر عنها والأعمال التي يبشر بها.