هذا مع أنَّ الله قد أدرَّ عليهم النِّعم العظيمة فلم يشكُروه ولا ذكَروه، ولهذا قال: {ولقد مكَّنَّاهم فيما إن مَكَّنَّاكم فيه}؛ أي: مكنَّاهم في الأرض يتناولون طيباتها، ويتمتَّعون بشهواتها، وعمَّرناهم عمراً يتذكَّر فيه من تذكَّر ويتَّعظ فيه المهتدي؛ أي: ولقد مكَّنَّا عاداً كما مكَّنَّاكم يا هؤلاء المخاطبون؛ أي: فلا تحسبوا أنَّ ما مَكَّنَّاكم فيه مختصٌّ بكم، وأنَّه سيدفع عنكم من عذاب الله شيئاً، بل غيرُكم أعظمُ منكم تمكيناً، فلم تُغْنِ عنهم أموالُهم ولا أولادُهم ولا جنودُهم من الله شيئاً، {وجَعَلْنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدةً}؛ أي: لا قصور في أسماعهم ولا أبصارهم ولا أذهانهم حتى يقال: إنَّهم تركوا الحقَّ جهلاً منهم وعدم تمكُّن من العلم به ولا خلل في عقولهم، ولكنَّ التوفيقَ بيدِ الله، {فما أغنى عنهم سمعُهم ولا أبصارُهم ولا أفئدتُهم من شيءٍ}: لا قليل ولا كثير، وذلك بسبب أنهم يجحدون آيات الله الدَّالَّة على توحيدِهِ وإفرادِهِ بالعبادة، {وحاق بهم ما كانوا به يستهزِئون}؛ أي: نزل بهم العذاب الذي يكذِّبون بوقوعه، ويستهزِئون بالرسل الذين حذَّروهم منه.