هذه المبايعةُ التي أشار الله إليها هي بيعة الرضوان، التي بايع الصحابةُ رضي الله عنهم فيها رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - على أن لا يفرُّوا عنه؛ فهي عقدٌ خاصٌّ، من لوازمه أن لا يفرُّوا، ولو لم يبقَ منهم إلاَّ القليلُ، ولو كانوا في حال يجوزُ الفرارُ فيها. فأخبر تعالى: {إنَّ الذين يبايِعونَك}: حقيقةُ الأمرِ أنَّهم {يبايِعونَ الله}: ويعقِدونَ العقد معه، حتى إنه من شدَّة تأكُّده أنَّه قال: {يدُ الله فوق أيديهم}؛ أي: كأنهم بايعوا الله وصافحوه بتلك المبايعة، وكلُّ هذا لزيادة التأكيد والتقوية، وحملهم على الوفاء بها، ولهذا قال: {فمن نكث}: فلم يفِ بما عاهد الله عليه، {فإنَّما ينكُثُ على نفسه}؛ أي: لأنَّ وَبال ذلك راجعٌ إليه وعقوبتَه واصلةٌ له، {ومن أوفى بما عاهَدَ عليهُ اللهَ}؛ أي: أتى به كاملاً موفراً، {فسيؤتيه أجراً عظيماً}: لا يعلم عِظَمَه وقَدْرَه إلاَّ الذي آتاه إيَّاه.