يخبر تعالى بفضله ورحمته برضاه عن المؤمنين إذ يبايعون الرسول - صلى الله عليه وسلم - تلك المبايعة التي بيَّضت وجوههم واكتسبوا بها سعادة الدُّنيا والآخرة. وكان سبب هذه البيعة ـ التي يقال لها: بيعةُ الرضوان؛ لرضا الله عن المؤمنين فيها. ويقال لها: بيعةُ أهل الشجرة ـ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دارَ الكلامُ بينه وبين المشركين يوم الحديبيةِ في شأن مجيئه، وأنَّه لم يجئ لقتال أحدٍ، وإنَّما جاء زائراً هذا البيت معظِّماً له، فبعث رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن عفان لمكَّة في ذلك، فجاء خبر غير صادق أنَّ عثمان قتله المشركون، فجمع رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَنْ معه مِنَ المؤمنين، وكانوا نحواً من ألف وخمسمائة، فبايعوه تحت شجرةٍ على قتال المشركين وأنْ لا يفرُّوا حتى يموتوا، فأخبر تعالى أنَّه رضيَ عن المؤمنين في تلك الحال التي هي من أكبر الطاعات وأجلِّ القُرُبات. {فعلم ما في قُلوبِهم}: من الإيمان، {فأنزلَ السكينةَ عليهم}: شكراً لهم على ما في قلوبهم، زادهم هدىً، وعلم ما في قلوبهم من الجزع من تلك الشروط التي شَرَطَها المشركون على رسولِهِ، فأنزل عليهم السكينة تثبِّتُهم، وتطمئنُّ بها قلوبهم، {وأثابهم فتحاً قريباً}: وهو فتح خيبر، لم يحضُرْه سوى أهل الحديبية، فاختصُّوا بخيبر وغنائمها جزاءً لهم وشكراً على ما فعلوه من طاعة الله تعالى والقيام بمرضاته، {ومغانم كثيرةً يأخُذونها وكانَ الله عزيزاً حكيماً}؛ أي: له العزَّة والقدرة، التي قهر بها الأشياء؛ فلو شاء؛ لانتصر من الكفَّار في كلِّ وقعة تكون بينهم وبين المؤمنين، ولكنَّه حكيمٌ يَبْتلي بعضَهم ببعض ويمتحنُ المؤمنَ بالكافر.