فلم ينجع فيهم هذا الكلام، ولا نفع فيهم الملام، فقالوا قول الأذلين: {يا موسى إنَّا لن نَدْخُلَها أبدا ما داموا فيها فاذهبْ أنت وربُّك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون}: فما أشنع هذا الكلام منهم، ومواجهتهم لنبيهم فيه في هذا المقام الحرج الضيق، الذي قد دعت الحاجة والضرورة إلى نصرة نبيِّهم وإعزاز أنفسهم! وبهذا وأمثاله يظهر التفاوت بين سائر الأمم وأمة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث قال الصحابةُ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين شاوَرَهم في القتال يوم بدرٍ، مع أنه لم يحتِّم عليهم: يا رسول الله! لو خضت بنا هذا البحر؛ لخضناه معك، ولو بلغت بنا بَرْك الغَمَاد ؛ ما تخلَّف عنك أحدٌ، ولا نقول كما قال قومُ موسى لموسى: {اذهبْ أنتَ وربُّك فقاتِلا إنَّا هاهنا قاعدون}، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنَّا معكُما مقاتِلون من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن يسارك.