هذا أمر من الله لعباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان من تقوى الله والحذر من سخطه وغضبه، وذلك بأن يجتهدَ العبد ويبذلَ غاية ما يمكنه من المقدور في اجتناب ما يَسخطه الله من معاصي القلب واللسان والجوارح الظاهرة والباطنة، ويستعين بالله على تركها لينجو بذلك من سخط الله وعذابه. {وابتغوا إليه الوسيلة}؛ أي: القُرْبَ منه والحظوة لديه والحبَّ له، وذلك بأداء فرائضه القلبية كالحبِّ له وفيه، والخوف والرجاء والإنابة والتوكل، والبدنيَّة كالزكاة والحج، والمركَّبة من ذلك كالصلاة ونحوها من أنواع القراءة والذِّكر، ومن أنواع الإحسان إلى الخَلْق بالمال والعلم والجاه والبدن والنُّصح لعباد الله؛ فكلُّ هذه الأعمال تُقرِّبُ إلى الله، ولا يزال العبدُ يتقرَّب بها إلى الله حتَّى يحبَّه؛ فإذا أحبَّه؛ كان سمعَه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ويستجيبُ الله له الدعاء. ثم خصَّ تبارك وتعالى من العبادات المقرِّبة إليه الجهاد في سبيله، وهو بذل الجهد في قتال الكافرين بالمال والنفس والرأي واللسان والسعي في نصر دين الله بكلِّ ما يقدِرُ عليه العبد؛ لأنَّ هذا النوع من أجلِّ الطاعات وأفضل القُرُبات، ولأنَّ من قام به؛ فهو على القيام بغيرِهِ أحرى وأولى، {لعلَّكم تفلحونَ}: إذا اتَّقيتم الله بترك المعاصي، وابتغيتُم الوسيلة إلى الله بفعل الطاعات، وجاهدتُم في سبيله ابتغاء مرضاته. والفلاحُ هو الفوز والظَّفَرُ بكلِّ مطلوب مرغوب والنجاة من كل مرهوب؛ فحقيقتُهُ السعادة الأبديَّة والنعيم المقيم.