ومن معاصيهم التي أحَلَّت بهم المَثُلات وأوقعت بهم العقوبات أنَّهم {كانوا لا يَتَناهَوْنَ عن مُنكرٍ فعلوهُ}؛ أي: كانوا يفعلون المنكر ولا ينهى بعضُهم بعضاً، فيشترك بذلك المباشر وغيره، الذي سكت عن النهي عن المنكر مع قدرتِهِ على ذلك، وذلك يدلُّ على تهاوُنِهم بأمر الله، وأنَّ معصيتَه خفيفة عليهم؛ فلو كان لديهم تعظيمٌ لربِّهم؛ لغاروا لمحارمه، ولغضبوا لغضبه. وإنَّما كان السكوت عن المنكَرِ مع القدرة موجباً للعقوبة لما فيه من المفاسد العظيمة: منها: أنَّ مجرَّد السكوت فعلُ معصيةٍ، وإنْ لم يباشِرْها الساكتُ؛ فإنَّه كما يجب اجتناب المعصية؛ فإنَّه يجب الإنكار على مَنْ فَعَلَ المعصية. ومنها: ما تقدَّم أنه يدلُّ على التهاون بالمعاصي وقلة الاكتراث بها. ومنها: أنَّ ذلك يجرِّئ العصاة والفسقة على الإكثار من المعاصي إذا لم يردعوا عنها، فيزداد الشرُّ وتعظُم المصيبة الدينيَّة والدنيويَّة، ويكون لهم الشوكة والظهور، ثم بعد ذلك يضعُفُ أهل الخير عن مقاومة أهل الشرِّ، حتى لا يقدرون على ما كانوا يقدرون عليه أولاً. ومنها: أن في ترك الإنكار للمنكر يندرِسُ العلم ويكثُرُ الجهل؛ فإنَّ المعصية مع تكرُّرها وصدورها من كثير من الأشخاص وعدم إنكار أهل الدين والعلم لها يُظَنُّ أنها ليست بمعصية، وربما ظنَّ الجاهل أنها عبادة مستحسنة، وأيُّ مفسدةٍ أعظم من اعتقاد ما حرَّم الله حلالاً وانقلاب الحقائق على النفوس ورؤية الباطل حقًّا؟! ومنها: أنَّ السُّكوتَ على معصية العاصين ربَّما تزيَّنت المعصية في صدور الناس، واقتدى بعضُهم ببعضٍ؛ فالإنسان مولعٌ بالاقتداء بأضرابِهِ وبني جنسه ... ومنها ومنها ... فلما كان السكوت عن الإنكار بهذه المثابة؛ نصَّ الله تعالى أن بني إسرائيل الكفار منهم لَعَنَهم بمعاصيهم واعتدائهم، وخصَّ من ذلك هذا المنكر العظيم: {لبئس ما كانوا يَفْعَلونَ}.