وهذا موجب لكمال اتِّباعه وسرعة الانقياد له وشكر الله على المنَّة به، ولكن أكثر الناس لا يقدِّر نعمَ الله قَدْرَها، ولهذا قال تعالى: {بلْ عَجِبوا}؛ أي: المكذِّبون للرسول - صلى الله عليه وسلم -، {أن جاءَهُم منذرٌ منهم}؛ أي: يُنْذرهم ما يضرُّهم ويأمرهم بما ينفعهم، وهو من جنسهم، يمكنُهم التلقِّي عنه ومعرفة أحوالِه وصدقِه، فتعجَّبوا من أمرٍ لا ينبغي لهم التعجُّب منه، بل يتعجَّب من عَقل من تعجب منه، {فقالَ الكافرون}؛ أي: الذين حَمَلَهُم كفرُهم وتكذيبُهم لا نقص بذكائِهِم وآرائِهِم: {هذا شيءٌ عجيبٌ}؛ أي: مستغربٌ. وهم في هذا الاستغراب بين أمرين: إمَّا صادقونَ في استغرابهم وتعجُّبهم؛ فهذا يدلُّ على غاية جهلهم وضعف عقولهم؛ بمنزلة المجنون الذي يستغربُ كلامَ العاقل، وبمنزلة الجبانِ الذي يتعجَّب من لقاء الفارس للفرسان، وبمنزلة البخيل الذي يستغرب سخاء أهل السَّخاء؛ فأيُّ ضررٍ يلحق من تعجب مَن هذه حالُه؟! وهل تعجُّبه إلا دليلٌ على زيادة جهله وظلمه ؟! وإما أن يكونوا متعجِّبين على وجهٍ يعلمون خطأهم فيه؛ فهذا من أعظمِ الظُّلم وأشنعِه.