وخصَّ من تلك المنافع [بالذكر] الجنَّات المشتملة على الفواكه اللَّذيذة من العنب والرُّمان والأترجِّ والتُّفاح وغير ذلك من أصناف الفواكه، ومن النخيل الباسقات؛ أي: الطوال، التي يطول نفعها ، وترتفع إلى السماء حتى تبلغ مبلغاً لا يبلغه كثيرٌ من الأشجار، فتخرجَ من الطلع النضيد في قنوانها ما هو رزقٌ للعباد قوتاً وأدماً وفاكهةً يأكلون منه ويدَّخرون هم ومواشيهم. وكذلك ما يخرج الله بالمطر، وما هو أثره من الأنهار التي على وجه الأرض و [التي] تحتها من {حبِّ الحصيدِ}؛ أي: من الزَّرع المحصود من بُرٍّ وشعير وذرة وأرزٍّ ودخن وغيره؛ فإن في النظر في هذه الأشياء {تبصرةً}: يُتَبَصَّر بها من عمى الجهل، {وذكرى}: يُتَذَكَّر بها ما ينفع في الدين والدنيا، ويُتَذَكَّر بها ما أخبر الله به وأخبرت به رسله، وليس ذلك لكلِّ أحدٍ، بل {لكلِّ عبدٍ منيبٍ} إلى الله؛ أي: مقبل عليه بالحبِّ والخوف والرجاء وإجابة داعيه، وأمَّا المكذِّب أو المعرض؛ فما تغني الآياتُ والنُّذُر عن قوم لا يؤمنون. وحاصلُ هذا أنَّ ما فيها من الخلق الباهر والقوَّة والشدَّة دليلٌ على كمال قدرة الله تعالى، وما فيها من الحسن والإتقان وبديع الصنعة وبديع الخلقة دليلٌ على أنَّ اللهَ أحكمُ الحاكمين، وأنَّه بكلِّ شيء عليمٌ، وما فيها من المنافع والمصالح للعباد دليلٌ على رحمة الله التي وسعت كل شيء، وجوده الذي عمَّ كلَّ حيٍّ، وما فيها من عظمة الخلقة وبديع النِّظام دليلٌ على أنَّ الله تعالى هو الواحدُ الأحدُ الفردُ الصمدُ الذي لم يتَّخذ صاحبةً ولا ولداً، ولم يكن له كفواً أحدٌ، وأنه الذي لا تنبغي العبادة والذُّلُّ والحبُّ إلاَّ له، وما فيها من إحياء الأرض بعد موتها دليلٌ على إحياء الله الموتى ليجازِيَهم بأعمالهم، ولهذا قال: {وأحْيَيْنا به بلدةً ميتاً كذلك الخروجُ}. ولمَّا ذكَّرهم بهذه الآيات السماوية والأرضيَّة؛ خوَّفهم أخذات الأمم، وألاَّ يستمرُّوا على ما هم عليه من التكذيب، فيصيبهم ما أصاب إخوانَهم من المكذِّبين، فقال: