سورة الذاريات تفسير السعدي الآية 37

وَتَرَكۡنَا فِیهَاۤ ءَایَةࣰ لِّلَّذِینَ یَخَافُونَ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِیمَ ﴿٣٧﴾

تفسير السعدي سورة الذاريات

{وتركْنا فيها آيةً للذين يخافون العذابَ الأليمَ}: يعتبرون بها ويعلمون أنَّ الله شديدُ العقاب، وأنَّ رسلَه صادقون مصدوقون.
فصل في ذكر بعض ما تضمَّنته هذه القصةُ من الحِكَم والأحكام منها: أنَّ من الحكمة قصَّ الله على عباده نبأ الأخيار والفجَّار؛ ليعتبروا بهم ، وأين وصلت بهم الأحوال. ومنها: فضيلة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام؛ حيث ابتدأ الله قصَّته بما يدلُّ على الاهتمام بشأنها والاعتناء بها. ومنها: مشروعيَّة الضيافة، وأنَّها من سنن إبراهيم الخليل، الذي أمر الله محمداً وأمته أن يتَّبعوا ملَّته، وساقها الله في هذا الموضع على وجه المدح والثناء. ومنها: أنَّ الضَّيف يُكْرَمُ بأنواع الإكرام؛ بالقول والفعل؛ لأنَّ الله وصف أضياف إبراهيم بأنَّهم مكرمون؛ أي: أكرمهم إبراهيم، ووصفَ الله ما صنع بهم من الضيافة قولاً وفعلاً، ومكرمون أيضاً عند الله [تعالى]. ومنها: أنَّ إبراهيم عليه السلام قد كان بيته مأوىً للطارقين والأضياف؛ لأنَّهم دخلوا عليه من غير استئذانٍ، وإنَّما سلكوا طريق الأدب في ابتداء السلام، فردَّ عليهم إبراهيم سلاماً أكملَ من سلامهم وأتمَّ؛ لأنَّه أتى به جملة اسميَّة دالَّة على الثُّبوت والاستقرار. ومنها: مشروعيَّة تعرُّف من جاء إلى الإنسان أو صار له فيه نوعُ اتِّصال؛ لأنَّ في ذلك فوائد كثيرة. ومنها: أدب إبراهيم ولطفه في الكلام؛ حيث قال: {قومٌ منكرون}، ولم يقل: أنكرتكم، وبين اللفظين من الفرق ما لا يخفى. ومنها: المبادرة إلى الضيافة والإسراع بها؛ لأن خير البرِّ عاجِلُه، ولهذا بادر إبراهيم بإحضار قِرى أضيافه. ومنها: أنَّ الذَّبيحة الحاضرة التي قد أعدَّت لغير الضيف الحاضر إذا جعلت له ليس فيها أقل إهانةٍ، بل ذلك من الإكرام؛ كما فعل إبراهيم عليه السلام، وأخبر الله أنَّ ضيفه مكرمون. ومنها: ما منَّ الله به على خليله إبراهيم من الكرم الكثير، وكون ذلك حاضراً لديه وفي بيته معدًّا لا يحتاج إلى أن يأتي به من السوق أو الجيران أو غير ذلك. ومنها: أنَّ إبراهيم هو الذي خدم أضيافه، وهو خليل الرحمن وسيِّد من ضيَّف الضيفان. ومنها: أنَّه قرَّبه إليهم في المكان الذي هم فيه، فلم يجْعله في موضع ويقولُ لهم تفضَّلوا أو ائتوا عليه؛ لأنَّ هذا أيسر وأحسن. ومنها: حسن ملاطفة الضيف في الكلام الليِّن، خصوصاً عند تقديم الطعام إليه؛ فإنَّ إبراهيم عرض عليهم عرضاً لطيفاً، فقال: {ألا تأكلونَ}، ولم يقل: كلوا! ونحوه من الألفاظ التي غيرها أولى منها، بل أتى بأداة العرض، فقال: {ألا تأكلونَ}؛ فينبغي للمقتدي به أنْ يستعملَ من الألفاظ الحسنة ما هو المناسب واللائق بالحال؛ كقوله لأضيافه: ألا تأكلون؟ أو: ألا تتفضَّلون؟ أو تشرِّفوننا وتحسنون إلينا ... ونحو ذلك. ومنها: أنَّ من خاف من أحدٍ لسبب من الأسباب؛ فإنَّ عليه أن يزيل عنه الخوف، ويذكر له ما يؤمِّن روعه ويسكِّن جأشه؛ كما قالت الملائكة لإبراهيم لمَّا خافهم: {لا تخفْ}، وأخبروه بتلك البشارة السارَّة بعد الخوف منهم. ومنها: شدَّة فرح سارة امرأة إبراهيم، حتى جرى منها ما جرى من صكِّ وجهها وصرَّتها غير المعهودة. ومنها: ما أكرم الله به إبراهيم وزوجته سارة من البشارة بغلام عليم.